الحمد لله.
حدثت معركة القادسية في المحرَّم سنة ( 14 هـ ) على أرجح الأقوال ، وهو ما اختاره ابن جرير الطبري رحمه الله ، وكانت قرب القادسية في العراق.
وكان قائد جيش المسلمين فيها : سعد بن أبي وقاص ، ومعه أكثر من ثلاثين ألف مقاتل .
وكان قائد جيش الفرس : رستم جاذويه ، في مائة وعشرين ألفًا ، ويصل عددهم مع خدمهم وتابعيهم إلى مائتي ألف ، ومعهم ثلاثة وثلاثون فيلًا ، منهم فيل سابور الأبيض .
أما تفاصيل المعركة فهي :
في سنة 14هـ من أول المحرم عسكر عمرُ بن الخطاب خارج المدينة يريد الغزوَ ، فاجتمع إليه الناس ، لكن أشار عليه عبد الرحمن بن عوف بعدم الخروج ، وأن يولي على الجيش سعد بن أبي وقاص ، فبعث إليه عمر ، وولَّاه قيادة الجيش في العراق ، وسيَّره في أربعة آلاف ، وأرسل إلى المثنَّى لكي يَنضمَّ إليه .
واجتمع لسعد في القادسية أكثر من ثلاثين ألف مقاتل ، وترك المثنَّى لسعد وصية من قائد مُجرِّب خبَر المعارك ضد الفرس ، لكي يستفيد من تجاربه أيضًا ؛ لأن المثنى قد توفِّي قبل وصول سعد على إثر جراحاته البليغة .
أمَّا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقد قدَّر حجم المعركة ، وعرَف أنها بحاجة إلى المزيد من الحشد ، فأمر بالسماح لأهل الردَّة الذين تابوا بالمشاركة في هذه المعركة ، وقد مُنعوا من قبل من المشاركة في الفتوحات .
وقد قُدِّر عدد جيش المسلمين بأكثر من ثلاثين ألفًا ، وجيش الفرس بأكثر من مائة وعشرين ألفًا ما عدا متبوعيهم .
وكانت المعركة في أربعة أيام :
اليوم الأول : يوم أرماث الاثنين في المحرم 14ه ـ:
وأقام سعد في القصر وأمامه الجيش على مصافِّه ، عليه قادته ، وكان سعد قد أُصيب بالدمل ، فلا يستطيع القعود ولا الركوب ، وهو على صدره ، تحته وسادة يلقي بالرقاع ، فيها أمره ونهيه ، يبلغ ذلك إلى خالد بن عُرفطة ، وهو يُبلِّغها إلى الأجناد .
وبدأت المعركة باختطاف عدد من جنود الفرس وقتلهم ، ثم كبَّر سعد وتلاحم الجيشان ، وتقدَّم نحو بجيلة (قبيلة) ستة عشر فيلًا ، فنفرت خيلهم وكادوا أن يهلكوا بمَن معهم ، فأرسل سعد إلى بني أسد أنْ ساعدوا بجيلة ، فخرج طليحة وقوم من بني أسد في كتائبهم إلى الفيلة فردوها ، وإن على كل فيل عشرين رجلًا ، ولما رأى ذو الحاجب وقوف أسد ، كثَّف الهجوم عليهم وقصدهم من دون العرب ، فكانوا في محنة ، وكبَّر سعد الرابعة فزحف بقية جند المسلمين ، ونادى سعد عاصم بن عمرو وقال له : اكفِني شرَّ الفيلة ، فأمر عاصم رجالَه أن يستدبروا الفيلةَ ويقطعوا السيور التي تَحمل التوابيت ثمَّ ليرموا من فوقها ، ففعلوا ، وحسرت الفيلة ، وقتل مَن عليها من الجند ، ثمَّ تحاجز الناس في الليل ، وأصيب من قبيلة أسد خمسمائة، وكانوا هم الدريئة للمسلمين في هذا اليوم؛ حيث تلقوا الصَّدمة الأولى عن غيرهم واحتووا هجومَ الفرس.
اليوم الثاني : يوم أغواث :
ووصل مَدَد من الشام ، وهم الذين كانوا مع خالد ، فعادوا بِناء على أوامر عمر بن الخطَّاب ، وفيهم القعقاع بن عمرو وهاشم بن عتبة ، وكانوا في ستة آلاف مقاتل ، وكان وصول القعقاع في صبيحة يوم أغواث ، وخرج القعقاع من فوره ونادى للمبارزة ، وخرج له ذو الحاجب بهمن جاذويه ، فأخرج له البيرزان والبندوان ، فخرج مع القعقاع الحارث بن ظبيان فبارزاهما وقتلاهما ، ونشط المسلمون واقتتل الجيشان حتى المساء ، وكانت الغَلَبة للمسلمين في هذا اليوم ، ولم يقاتل الفرس بالفيلة هذا اليوم لتكسُّر توابيتها في اليوم الأول ؛ حيث لم يتمكَّنوا من إصلاحها ؛ لذلك خرجت من المعركة ، وقاتل المسلمون بمعنويات كبيرة في غيابها .
اليوم الثالث : يوم عِماس :
وفي هذا اليوم جهَّز الفرسُ الفيلةَ، وصدَموا بها المسلمين، وتَطوَّع القعقاع بن عمرو وعاصم ، فشدُّوا مع جماعتهم على الفيل الأبيض - وهو أكبرها ، ويُسمَّى فيل سابور - وفقؤوا عينيه بالرِّماح ، ثمَّ قطعوا خُرطومَه ، وشدَّ آخرون من بني أسد على الفيل الأجرب ، وفعلوا فيه مِثْل فِعْل القعقاع وعاصم ، فارتدَّ الفيلان على جيش الفرس ، وتَبِعهما بقيَّة الفيلة ، فعبروا العقيق ، هربًا بمن على ظهورها من الجنود ، واستمرَّ القتال شديدًا طيلة هذا اليوم ، ثمَّ تواصَل حتى الليل فسُمِّيت هذه الليلة ليلة الهرير ، وكانت شديدة على الطرفين ، وانقطعت الأصوات إلا من صوت السلاح ، وفُقِد الاتصال مع القيادة ، فلا سعد يعلم ما جرى للمسلمين ، ولا رستم يعلم ما جرى للفُرس ، وعند الصباح انتهى الناس ، وكانت الغَلَبة للمسلمين ، وسُمِّيت بهذا الاسم ؛ لأن الجميع فقدوا النُّطقَ، وكان كلامهم الهرير .
اليوم الرابع : يوم القادسية :
وهذا اليوم كان صبيحة ليلة الهرير ؛ حيث استمرَّ القتال في الصباح ، وخالَط المسلمون الفرسَ وجالدوهم ، وما ارتفع قائم الظهيرة حتى انفرج القلب ، وتوغَّل فيه المسلمون ، وهبَّت عاصفةٌ فقلعتْ خيمةَ رستم عن سريره وحملتها للعقيق ( النهر ) ، وانتهى القعقاع ومن معه إلى السرير ، وتنحَّى رستم ، فاختبأ بين بغال محمَّلة بالأموال ، ووصَل إليه هلال بن علقمة فقطع حملًا ، فسقط فوق رستم ، وكسر فقارًا من ظهره ، فهرب وألقى بنفسه في الماء فتَبِعه هلال فجذبه من رجله ، وأخرجه للشط وقتلَه ، ثم صعد سريرَه ، وكبَّر المسلمون ، وهرب الفرس يريدون العبورَ ، وسقط المقترِنون بالحديد في النَّهر ، والمسلمون يطعنون بالرِّماح ، ونادى سعد جنودَه لاتباعهم والإجهاز عليهم حسَب تعليمات عمر ، وألَّا يُفلِت منهم أحد ، وطاردوهم حتى آخر اليوم في البوادي والقرى .
وقد استشهد من المسلمين زهاء ثمانية آلاف وخمسمائة مُقاتِل ، وقُتِل من جنود الفرس ما يزيد على خمسين ألفًا ، وشُرِّد جيشهم ، فلم يَصِل منهم إلى المدائن إلا القليل .
وينظر : https://www.alukah.net/culture/0/116859/
كما ينظر لمزيد من التفصيل : "تاريخ الرسل والملوك" لابن جرير الطبري (3 / 479).
والله أعلم.