عند القيام بسجود السهو، إذا قمت به بعد السلام ، فهذا يعني أنني أقرأ التشهد ثم أقوم بتسليمتين ، ثم أقوم بالسجود للنسيان، ثم أقوم بتسليمتين مرة أخرى، هذا يعني أنني أقوم بالتسليم مرتين، واحدة قبل السجود وواحدة بعده، فما هي النية التي تكون لكلاهما ، أيهما يكون التسليم لإنهاء الصلاة والخروج منها ، وما هو التسليم الآخر ؟
الحمد لله.
إذا سجد المصلي للسهو بعد السلام فإنه يسلم بعد سجدتي السهو ولا يتشهد .
روى مسلم (574) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي ثَلاثِ رَكَعَاتٍ ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ ، وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ ، وَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى النَّاسِ ، فَقَالَ : أَصَدَقَ هَذَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ . فَصَلَّى رَكْعَةً ، ثُمَّ سَلَّمَ ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ، ثُمَّ سَلَّمَ ".
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله : " إذا كان السجود بعد السلام ، فإنه يجب له السلام ، فيسجد سجدتين ، ثم يسلم .
وأما هل يجب له التشهد ؟
في هذا خلاف بين العلماء ، والراجح أنه لا يجب له التشهد" انتهى من "فتاوى ابن عثيمين" (14/74).
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : هل يتشهد بعد سجود السهو أم لا ، سواء سجد للسهو قبل السلام أم بعده ؟
فأجابت : " لا يشرع التشهد بعد سجود السهو إذا كان قبل السلام بلا ريب ، أما السجود بعد السلام ففيه خلاف بين أهل العلم ، والأرجح عدم شرعيته لعدم ذكره في الأحاديث الصحيحة انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/148) .
من سجد للسهو بعد السلام ثم سلم مرة أخرى ، فإن تسليمه الأول هو الذي يُتحلل به من الصلاة ؛ لأن سلام التحليل هو الذي يكون بعد التشهد .
قال الجصاص تعليقًا على حديث أبي هريرة رضي الله عنه : " فأخبر في هذا الحديث بسلام بعد التشهد ، وهو الذي يُتحلل به من الصلاة ، وذكر السجود بعده...
وقد روي في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه نحو ذلك .
وذُكر في عامة الأخبار : " فلما فرغ من صلاته ، وسلم " .
وفي بعضها: " فلما تمت صلاته ، وسلم " .
فعلمنا : أن السلام الذي عَقِيَبه سجود السهو ، هو السلام الذي يتحلل به من الصلاة .
وعلى أن إطلاق لفظ التسليم ، يتناول السلام الموضوع للتحليل ، وإنما ينصرف إلى غيره بدلالة ، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم : " تحليلها التسليم " ، أنه معقول به بالسلام الذي يلي التشهد " انتهى من "شرح مختصر الطحاوي" للجصاص (2/ 17).
ودل على ذلك ما جاء عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ ، قَالَ : "صَلَّى بِنَا المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَامَ وَلَمْ يَجْلِسْ ، فَسَبَّحَ بِهِ مَنْ خَلْفَهُ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ قُومُوا ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ سَلَّمَ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ ، وَسَلَّمَ ، وَقَالَ : " هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
أخرجه الترمذي (365) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وصححه الألباني .
ففي قوله : " فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ سَلَّمَ " دليل على أن التسليم الأول هو تسليم التحليل من الصلاة .
أما التسليم الثاني : فليس هو الذي يُتحلل به من الصلاة ؛ ولكن لأن المصلي قد عاد في حكم الصلاة بتكبيره وسجوده للسهو ؛ فكان ينبغي عليه أن يتحلل من ذلك ، ويختم صلاته بالسلام مرة أخرى .
قال الشوكاني : " لأن سجود السهو قد صار كالصلاة المستقلة ، لتحريمه بالتكبير ، وتحليله بالتسليم " انتهى من "السيل الجرار" (ص: 173).
وينظر: "شرح مختصر الطحاوي" (2/ 21)، و"المبسوط" (1/ 168).
وينظر أيضا للفائدة : "فتح العزيز" للرافعي (2/99) ، "روضة الطالبين" (1/316) ، "المجموع شرح المهذب" (4/70-72) .
والحاصل :
أن التسليم الذي يتحلل به من الصلاة هو التسليم الأول ، أما التسليم الثاني فيكون للتحلل من سجدتي السهو ؛ إذ هما في حكم الصلاة .
والله أعلم .