الحمد لله.
النحل إذا عشش في أرض، لم يُملك بذلك، أي لا يملكه صاحب الأرض، ما لم يهيء له مكانا، كصنع خلية له.
وإذا لم يهيء له شيئا فهو مباح، ولمن سبق إليه أن يأخذه وأن يأخذ عسله، لكن إذا كانت الأرض محوطة، حرم الدخول إليها بغير إذن.
هذا مذهب الحنابلة.
قال المرداوي في "الإنصاف" (10/ 439) : " قوله ( وكذلك إن حصل في أرضه سمك، أو عشش فيها طائر: لم يملكه، ولغيره أخذه) هذا المذهب. قال في الرعاية الكبرى: ولغيره أخذه على الأصح ...
وذكر أبو المعالي: إن عشش بأرضه نحل: ملكه؛ لأنها معدة لذلك. وفي منتخب الأدمي البغدادي: إلا أن يُعد حجره وبركته وأرضه له.
وسبق كلامهم في زكاة ما يأخذه من المباح، أو من أرضه، وقلنا: لا يملكه؛ أنه يزكيه، اكتفاء بملكه وقت الأخذ، كالعسل. قال في الفروع: وهو كالصريح في أن النحل لا يملك بملك الأرض، وإلا لملك العسل. ولهذا قال في الرعاية في الزكاة: وسواء أخذه من أرض موات، أو مملوكة أو لغيره" انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (6/ 226): " (أو عشش فيها) أي الأرض (طائر): لم يملكه بذلك، لأن الأرض ليست معدة لذلك. (ولغيره) أي غير رب الأرض : (أخذه) ، أي السمك أو الطائر ، (كـ) أخذ (الماء والكلإ) منها ، بجامع أنه مباح لم يُحز".
وقال في "شرح المنتهى" (1/ 422): " ويجب في العسل من النحل العشر نصا [أي: نص عليه الإمام أحمد] قال: قد أخذ عمر منهم الزكاة. قال الأثرم: قلت ذلك على أنهم يتطوعون به؟ قال: لا، بل أخذ منهم. (سواء أخذه) أي: العسل (من موات) كرؤوس جبال، (أو) من أرض (مملوكة) له أو لغيره" انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (3/ 160): "(ولا) يُملك (كلأٌ) قبل حيازته، للحديث السابق. (ولا) يملك (شوك نبت في أرضه قبل حيازته) ؛ لأن الشوك كالكلأ ... (ولكن صاحب الأرض أحق به، لكونه في أرضه، قاله الموفق وغيره.
ومن حاز من ذلك) أي: من الماء العد والكلأ والشوك والمعدن الجاري ، (شيئا : ملكه) ، وجاز بيعه ، لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الماء ، إلا ما حُمل منه رواه أبو عبيد في الأموال ، وعلى ذلك مضت العادة من غير نكير.
(إلا أنه يحرم دخول ملك غيره بغير إذنه ، لأجل أخذ ذلك ، إن كان) رب الأرض (محوطا عليها) ؛ لأنه تصرف في ملك غيره بغير إذنه .
(وإلا) ، بأن لم يحوط عليها : (جاز) الدخول بلا إذنه ، (بلا ضرر) ، لدلالة القرينة على رضاه حيث لم يحوط .
(ولو استأذنه) أحد في الدخول (حرم) على رب الأرض (منعه ، إن لم يحصل) ضرر بدخوله، لما تقدم" انتهى.
وذهب الحنفية إلى أن العسل يملكه صاحب الأرض؛ لأنه يعتبر من أنزالها ، أي من ريعها، وأما النحل فلا يملكه، ولغيره أخذه.
قال في "الدر المختار" : "[فروع] عسل النحل في أرضه: ملكه مطلقا؛ لأنه صار من أنزالها".
قال ابن عابدين في حاشيته عليه (5/ 234): "(قوله ملكه مطلقا): أي وإن لم يعدّها لذلك .
(قوله لأنه صار من أنزالها) . أي : ريعها ، فهو بفتح الهمزة ، جمع نزل. قال في المصباح: نزل الطعام نزلا ، من باب تعب، كثر ريعه ونماؤه ، فهو نزل ، وطعام كثير النَّزَل، بوزن سبب: أي البركة، ومنهم من يقول كثير النُّزْل بوزن قُفْل" انتهى.
وفي "مجمع الأنهر" (2/ 111): "(كما لو عسل النحل في أرضه) أي جعل عسله في أرض رجل، (أو نبت فيها شجر، أو اجتمع تراب بجريان الماء) : فهو لصاحب الأرض على كل حال، وإن لم تكن أرضه معدة لذلك ، لأنه من أنزال الأرض ، حتى يملكه تبعا" انتهى.
وينظر: "فتح القدير" (7/ 131).
وهم يفرقون بين هذا وبين ما إذا فرخ الطير في أرضه، أو دخلها الصيد، للعلة التي ذكروها وهي أن العسل يعتبر من ريع الأرض، ولهذا قالوا: لا يُملك النحل.
جاء في "الفتاوى الهندية" (5/ 420): " وفي المنتقى: داود بن رشيد عن محمد - رحمه الله تعالى -: نحل اتخذت كوارات في أرض رجل, فخرج منها عسل كثير: كان ذلك لصاحب الأرض, ولا سبيل لأحد على أخذه.
قال: ولا يشبه هذا الصيد وبيضه، وأشار إلى معنى الفرق فقال: إنه يجيء ويذهب ، والبيض يصير طائرا ويطير.
وإنما يشبه الطير في هذا: النحل نفسها، ولو أخذ النحل أحد، كانت له, وأما العسل فلم يكن صيدا, ولا يصير صيدا قط" انتهى.
وفي الأشباه والنظائر: " ما تعسّل في أرضه فهو له , وإن لم يهيئه; لأنه من أنزالها، بخلاف النحل، والظبي إذا تكنس، أو باض الصيد؛ فإنه لا يكون لصاحبها إلا بالتهيئة".
وقال الحموي في "غمز عيون البصائر عليه" (3/ 227): " قوله : وما تعسّل في أرضه. أي ما خرج من النحل من العسل في أرضه...
قوله : بخلاف النحل. فإنه ليس من أنزال الأرض، وكذا ما عطف عليه" انتهى.
والحاصل:
أنه إن كانت الأرض أو البستان محوطا، فليس لأحد أن يدخل لأخذ خلية النحل، إلا بإذن صاحب الأرض.
وإن لم تكن محوطة، ففي أخذ العسل خلاف، بناء على: هل يملكه صاحب الأرض أم لا؟
وأما النحل فيجوز أخذه.
والله أعلم.