الحمد لله.
"يوم الخُليف"؛ كان في مكة قبل اتساع مكة وكثرة سكانها في بدايات القرن الماضي، وزال ببداية اتساع مكة وتطور الحياة فيها.
وأما في العصر الماضي، فلأجل صغر مدينة مكة وقلة سكانها؛ كان كل رجال مكة وحتى الأطفال ، يخرجون منها في أيام الحج مع الحجاج، إما حاجين أو مساعدين لهم، ولا يتخلف في مكة إلا النساء فتفرغ مكة من الرجال يوم عرفة.
فإذا وجدت النساء يوم عرفة رجلا بمكة ، عيّرنه على تخلفه عن الحجاج.
فكلمة "الخُليف" : الظاهر أنها تصغير للفظ "خَليف" وهو المتأخر بعد الناس.
جاء في "تاج العروس" (23 / 265):
" خَلَفَهُ، خَلَفاً، وخِلاَفةً: كان خَلِيفَتَهُ، واسم الفاعل منه: خَلِيفَةٌ، وخَلِيفٌ، قال الجَوْهريّ: ومنه قوله تعالى: ( وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ). خَلَفَهُ أيضا: بقي بعده " انتهى.
يقول الأستاذ عبد الرزاق محمد حمزة، حاكيا عن حال مكة في طفولته:
" ولحسن حظي أني لم أحضر خُليفا في مكة ، وإلا لتعرضت للضرب فقد كان كل الرجال في مكة يذهبون للحج ، ومن النادر أن يتخلف عن الحج أحد منهم؛ وفي ليلة العيد يطوف النسوة بشوارع مكة وأزقتها ، فإذا رأوا رجلا أمطرنه بوابل من عبارات النقد ، وقرّعنه بعبارات من مثل:
يا قيس يا قيس يا (...) يا تيس
الناس راحوا الحج وأنت قاعد ليش
يا ... الخ
وكان الرجال قبل الحج يسألون بعضهم البعض قائلين: حاج أم داج، وويل للداج لو خرج من منزله في مكة المكرمة ليلة القيس " انتهى من "العيش في مكة المكرمة" (ص 257).
فيظهر أن تسمية ذلك اليوم بيوم "الخُليف" : ليس استبدالا عاما لاسم "يوم عرفة"؛ّ وإنما هو مجرد وصف لحال خاص.
ولم نقف على أن النساء كن يخرجن إلى الكعبة بنية مواساتها! بل الظاهر أن تصرفهن كتصرف النساء في هذا الزمن، هو من باب استغلال فرصة خلو مكة من الرجال، وقلتهم فيتمكن من الطواف والاقتراب من الحجر الأسود، دون خشية الفتنة ودون مزاحمة للرجال.
فالحاصل؛ أن هذه العادة، عادة "الخُليف" : انقطعت منذ زمن، ولم يعد لها ذكر؛ وما ينتشر على صفحات مواقع التواصل؛ وبعض الصحف؛ هو من باب حبّ الناس للإغراب.
والله أعلم.