بعد زواج دام لست وثلاثين عاما، عملت فيها الزوجة، وأنفقت على بيتها وزوجها وأبنائها الخمس، مساهمةً في بناء بيت الأسرة، والتعليم الجامعي للأبناء، وتزويج الذكر منهم، لا سيما خلال سنواتٍ من توقف الزوج عن العمل، قام الزوج بتطليقها لسببٍ لا يعلمه إلا الله، حتى الزوج نفسه يقول: أمر السماء!!، وبناءً على ما سبق، لن ترث الأم طليقها إن وافته المنية قبلها، من جانبٍ آخر، قام أحد إخوة هذه الأم بأكل إرثها من والدها المتوفى منذ ما يقرب الأربعين عاما، واحتسبته هي عند الله تعالى، وآثرت ألا تثير الضغينة بينها وبين أخيها بعد محاولاتٍ عدة لإحقاق الحق كانت كلها قد باءت بالفشل، بعد حين، صارح ابن وابنة من الخمس الأم بأنهما سيرفعان قضيةً على خالهما لاسترداد إرثها من جدهما، بعد وفاة الأم طبعا . السؤال: هل يجوز لهذه المرأة شرعا أن توصي بعدم حصول أي من ورثتها على إرثها من والدها؟
الحمد لله.
أولا:
إذا كانت المرأة قد تنازلت عن حقها واحتسبته عند الله، كما هو الظاهر من السؤال : فقد خرج عن ملكها، وليس لها- ولا لورثتها- أن تطالب به؛ لحديث ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا، إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ رواه أبو داود (3539)، والترمذي (2132) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ولعلها أرادت بالوصية منع أبنائها من المطالبة، لكن الأولى هنا أن تكتب تنازلا صريحا، أو هبة رسمية، منعا للنزاع بعد وفاتها.
ثانيا:
أما إذا لم تتنازل عن حقها، وإنما سكتت عن المطالبة فقط، فملكها باق.
وفي هذه الحالة: فإذا أوصت بعدم أخذ ورثتها شيئا من إرثها من والدها الذي استولى عليه أخوها، فهو كما لو أوصت لأخيها بميراثها.
وإذا كان أخوها لا يرثها، كما هو ظاهر السؤال، فهذه وصية صحيحة، لكنها مقيدة بثلث المال.
فإذا ماتت المرأة : نُظر في تركتها، فإن كان نصيبها من ميراث والدها يساوي ثلث تركتها ، أو أقل، فهذا النصيب كله يكون لأخيها.
وإذا زاد على ثلث تركتها، فلأخيها ما يساوي الثلث، ويتوقف الزائد على إذن ورثتها، فإن لم يأذنوا، فهو حق ورثتها ولهم مقاضاة خالهم لأخذه.
والأصل في ذلك: ما روى البخاري (5659)، ومسلم (1628) عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ : " أَنَّ أَبَاهَا قَالَ : تَشَكَّيْتُ بِمَكَّةَ شَكْوًا شَدِيدًا ، فَجَاءَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي ، فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ: إِنِّي أَتْرُكُ مَالًا، وَإِنِّي لَمْ أَتْرُكْ إِلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً، فَأُوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي، وَأَتْرُكُ الثُّلُث؟َ فَقَالَ: لا ، قُلْتُ: فَأُوصِي بِالنِّصْفِ، وَأَتْرُكُ النِّصْفَ؟ قَالَ: لا ، قُلْتُ فَأُوصِي بِالثُّلُثِ، وَأَتْرُكُ لَهَا الثُّلُثَيْن؟ِ قَالَ: الثُّلُثُ؛ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " فالوارث لا يجوز للإنسان أن يوصي له، لا بقليل ولا بكثير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ) ، ولأن الوصية للوارث تؤدي إلى أن يأخذ من المال أكثر مما فرض الله له ، وهذا تعدٍ لحدود الله ، وغير الوارث تجوز بالثلث فأقل ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد رضي الله عنه : ( الثلث والثلث كثير ).
قوله : ( إلا بإجازة الورثة لها بعد الموت فتصح تنفيذا ) ، ظاهر كلامه رحمه الله أنه إذا أجازها الورثة صارت حلالا .
وفيه نظر ، والصواب أنها حرام ، لكن من جهة التنفيذ تتوقف على إجازة الورثة ، فتصح تنفيذا، لا ابتداءَ عطية " انتهى من "الشرح الممتع" (11/ 139).
والله أعلم.