كنت أتحدث مع زوجتي عن الإسلام دائما أملا فى اعتناقها الإسلام، وفى يوم كنت أحدثها عن معجزة القرآن اللغوية، وأنه معجزة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان أميا، لا يقرأ، ولا يكتب، فكان ردها "كيف استمع الناس لمجنون"، فقلت لها : إني لا أقبل أن يسب أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتذرت، فقلت لها : لا أستطيع أن اقبل اعتذارك، فأنت لم تسبيني أنا، وأخبرتها أني لا أستطيع أن أكمل معها، وأخبرتها أنه يجب أن ننفصل، فهل اتخاذي موقف الطلاق منها صحيح أم هناك ما هو أفضل ؟
الحمد لله.
أولا:
قد أحسنت في غضبك؛ وتقديمك لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم على متاع الدنيا الزائل.
ومثل هذه المواقف تظهر حقيقة حب النبي صلى الله عليه وسلم الواجب على المسلم.
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ رواه البخاري (15)، ومسلم (44).
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:
" قال الله تعالى: ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ).
فكفى بهذا حضا وتنبيها ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم، إذ قرّع الله تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله تعالى ( فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ) الآية.
ثم فسقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله " انتهى من "الشفا" (ص 492).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" الله سبحانه وتعالى أوجب لنبينا صلى الله عليه وسلم على القلب واللسان والجوارح حقوقا زائدة على مجرد التصديق بنبوته...
ومن حقه: أن يكون أحب إلى المؤمن من نفسه وولده وجميع الخلق كما دل على ذلك قوله سبحانه: ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ) إلى قوله: ( أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) الآية، مع الأحاديث الصحيحة المشهورة " انتهى من "الصارم المسلول" (3 / 801 - 802).
وراجع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (14305).
ويتأكد ذلك إذا علمنا أن الذمي إذا سب، فإنه ينتقض عهده وذمته، ويكون كافرا محاربا؛ فكيف يقيم المسلم على زواج امرأة بتلك الحال؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" الذمي إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم : فقد صدر منه فعل تضمن أمرين :
أحدهما: انتقاض العهد الذي بيننا وبينه .
الثاني: جنايته على عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانتهاكه حرمته ، وإيذاء الله ورسوله والمؤمنين ، وطعنه في الدين ؛ وهذا معنى زائد على مجرد كونه كافرا قد نقض العهد." انتهى، من "الصارم المسلول" (290).
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (111252) .
ثانيا:
مفارقة مثل هذه المرأة هو الحل الأمثل؛ ففوق جرمها الشديد في حق النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن انعدام الحياء لديها، وتجرؤها على التفوه بمثل هذا الكلام، وعدم شعورها بالحرج من عدم احترامها لدين زوجها؛ مؤشر خطر على دينك ودين ولدك، إن كتب الله لكم الولد؛ فمثل هذه ستتجرأ على فتنة ولدك، والزواج بالكتابية أبيح لما ترجى فيه من مصلحة.
قال الكاساني رحمه الله تعالى:
" جوز نكاح الكتابية؛ لرجاء إسلامها؛ لأنها آمنت بكتب الأنبياء والرسل في الجملة، وإنما نقضت الجملة بالتفصيل بناء على أنها أخبرت عن الأمر على خلاف حقيقته، فالظاهر أنها متى نبهت على حقيقة الأمر تنبهت، وتأتي بالإيمان على التفصيل على حسب ما كانت أتت به على الجملة.
هذا هو الظاهر من حال التي بني أمرها على الدليل دون الهوى والطبع، والزوج يدعوها إلى الإسلام، وينبهها على حقيقة الأمر؛ فكان في نكاح المسلم إياها رجاء إسلامها، فجوز نكاحها لهذه العاقبة الحميدة " انتهى من "بدائع الصنائع" (2 / 270).
فإذا كان رجاء إسلامها ضعيفا، مع وجود مفاسد لهذه الزوجة كطعنها في دين الإسلام، والخوف منها على دين الولد، فمثل هذه مفارقتها أمر متأكد.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى:
" فنكاح حرائر المسلمين وأهل الكتاب حلال للمؤمنين... بعد أن تكون بموضع لا يخاف الناكح فيه على ولده أن يجبر على الكفر " انتهى من " تفسير الطبري" (8 / 146).
وما أظهرته من اعتذار ، قد لا يوثق به ، فقد يكون المراد منه استبقاء النكاح ، وليس أكثر؛ فلا يؤمن من عودتها إليه عند كل خصام، فتكون فتنة لك ولدك.
وطالع للفائدة جواب السؤال رقم : (224854).
والله أعلم.