في الحديث "كنا مع النبي في رحلة عندما سمع رجلين يغنيان، كان أحدهما يردّ على الآخر عن طريق غناء الشعر، ثم قال النبي:(انظر من هؤلاء)، قالوا: هم فلان وفلان، فلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: (اللهم ألقهم رأسًا على عقب في جهنّم) فهل هذا حديث صحيح؟
الحمد لله.
أولا:
هذا الخبر رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (21 / 448)، قال: حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَبُّ هَذِهِ الدَّارِ أَبُو هِلاَلٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَرْزَةَ الأَسْلَمِيَّ يُحَدِّثُ: " أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَليهِ وسَلمَ ، فَسَمِعُوا غِنَاءً ، فَاسْتَشْرَفُوا لَهُ، فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَمَعَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ، فَأَتَاهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: هَذَا فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، وَهُمَا يَتَغَنَّيَانِ ، وَيُجِيبُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ وَهُوَ يَقُولُ:
لاَ يَزَالُ حواريٌّ تَلُوحُ عِظَامُهُ ... زَوَى الْحَرْبَ عَنْهُ أَنْ يُجَنَّ فَيُقْبَرَا.
فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليهِ وسَلمَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْكُسْهُمَا فِي الْفِتْنَةِ رَكْسًا، اللَّهُمَّ دُعَّهُمَا إِلَى النَّارِ دَعًّا .
وعن ابن أبي شيبة : ورد في "مسند الإمام أحمد" (33 / 24)، وفي "مسند أبي يعلى الموصلي" (13 / 429) ورواه أيضا عن عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، نحوه.
ورواه البزار في "مسنده" (10 / 374) عن عباد بن يعقوب الكوفي، قَال: حَدَّثنا مُحَمد بن فضيل بن غزوان بنفس الإسناد السابق، وفي متن الخبر أن هذه الواقعة كانت في أُحُد وأنهما كانا يَتَمَثَّلان بهذا الشعر في حمزة.
وإسناد هذا الخبر ضعيف جدا:
فأبو هِلال قال عنه البزار عقب الحديث: " وأبو هلال العكي فرجل غير معروف ".
وكذا الراوي يزيد بن أبي زياد، ضعفه أهل العلم.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
" هذا حديث لا يصح.
ويزيد بن أبي زياد كان يُلقن في آخر عمره، فيُلقن.
قال على ويحيى: لا يحتج بحديثه.
وقال ابن المبارك: ارم به.
وقال ابن عدي: كل رواياته لا يتابع عليها " انتهى من "الموضوعات" (2 / 28).
وقال الذهبي رحمه الله تعالى:
" هذا – الحديث - مما أُنكر على يزيد " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (3 / 132).
وضعفه محققو "المصنف" و"المسند" أيضا ، بجهالة سليمان بن عمرو بن الأحوص.
وحكم عليه الشيخ الألباني بأنه حديث منكر. في "السلسلة الضعيفة" (14 / 149).
وقد روى هذا الخبر عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ الْفُقَيْمِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَاد، فخالف في إسناده ، فجعله من حديث الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ.
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7 / 133) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ بَهْمَرْدَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَارِثِ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ الْفُقَيْمِيُّ، حَدَّثَنَا نُصَيْرُ بْنُ أَبِي الْأَشْعَثِ، وَشَرِيكٌ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ يَسِيرُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ إِذْ سَمِعَ صَوْتَ غِنَاءٍ" فذكر الخبر.
وقال الطبراني: " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ الْأَشْعَثِ إِلَّا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ".
عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ الْفُقَيْمِيُّ هذا، متروك الحديث، ومتهم بوضع الحديث.
قال ابن أبي حاتم:
" سمعت أبي يقول: عمرو بن عبد الغفار : ضعيف الحديث ، متروك الحديث " انتهى من "الجرح والتعديل" (6 / 246).
وقال ابن عدي رحمه الله تعالى:
" وهو متهم إذا روى شيئا من الفضائل، وكان السلف يتهمونه بأنه يضع في فضائل أهل البيت، وفي مثالب غيرهم "انتهى من"الكامل" (6 / 253).
ثانيا:
ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" (11 / 38) بإسناد مختلف ، وذُكِر فيه اسم الرجلين.
فقال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَارُودِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، ثنا عِيسَى بْنُ سَوَادَةَ النَّخَعِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ، قَالَ: " سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ رَجُلَيْنِ وَهُمَا يَقُولَانِ:
ولَا يَزَالُ حَوَارِيٌّ تَلُوحُ عِظَامُهُ ... زَوَى الْحَرْبُ عَنْهُ أَنْ يُجَنَّ فَيُقْبَرَا
فَسَأَلَ عَنْهُمَا، فَقِيلَ: مُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَقَالَ: اللهُمَّ أرْكِسْهُمَا فِي الْفِتْنَةِ رِكْسًا، وَدُعَّهُمَا إِلَى النَّارِ دَعًّا .
وفي سنده عِيسَى بْنُ سَوَادَةَ النَّخَعِيُّ، قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" سألت أبي عنه، فقال: هو منكر الحديث ، ضعيف " انتهى من "الجرح والتعديل" (6 / 277).
ثالثا:
ورواه ابن قانع في "معجم الصحابة (2 / 23) بسند آخر وذُكِر فيه رجلان آخران.
قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسِ بْنِ كَامِلٍ، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، أخبرنا سَعِيدٌ أَبُو الْعَبَّاسِ التَّيْمِيُّ، أخبرنا سَيْفُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُمَرَ مَوْلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ صَالِحٍ شُقْرَانَ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ لَيْلَةً فِي سَفَرٍ، إِذْ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتًا، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ، فَإِذَا مُعَاوِيَةُ بْنُ التَّابُوبِ، وَعَمْرُو بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ التَّابُوبِ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ رَافِعٍ يَقُولُ:
لَا يَزَالُ حَوَارِيُّ تَلُوحُ عِظَامُهُ زوَى الْحَرْبُ عَنْهُ أَنْ يَمُوتَ فَيُقْبَرَا
فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْكِسْهُمَا رَكْسًا، وَدُعَّهُمَا إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ
فَمَاتَ رِفَاعَةُ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ".
ورواه ابن عدي في "الكامل" (5 / 6) قال: حدثنا محمد بن هارون بن حميد، حدثنا عبد الله بن عمر، حدثنا شعيب بن إبراهيم، حدثنا سيف، حدثني أبو عمر مولى إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن شقران قال: وذكر الخبر.
فهذا الخبر مداره على سيف بن عمر وهو التميمي، أخباري ضعفه أهل العلم، قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" سيف بن عمر التميمي الأسدي، له تواليف، متروك باتفاق... قال ابن حبان: يروي الموضوعات " انتهى من "المغني" (1 / 292).
والراوي عنه هو راويته شعيب بن إبراهيم، وما ورد عند ابن قانع أنه: سَعِيدٌ أَبُو الْعَبَّاسِ التَّيْمِيُّ. بيّن الشيخ الألباني أنه: " محرف، صوابه: (شعيب) - هو: ابن إبراهيم ". "السلسلة الضعيفة" (14 / 149).
وشعيب ابن إبراهيم هذا، قال عنه ابن عدي: " له أحاديث وأخبار، وهو ليس بذلك المعروف، ومقدار ما يروي من الحديث والأخبار ليست بالكثيرة ، وفيه بعض النكرة؛ لأن في أخباره وأحاديثه ما فيه تحامل على السلف " انتهى من "الكامل" (5 / 7).
وقال عنه الذهبي:
" شعيب بن ابراهيم الكوفي الراوي عن سيف كتبه، فيه جهالة " انتهى من "المغني" (1 / 298).
فالحاصل؛ أن أسانيده ضعيفة جدا، ومتنه مضطرب ، ففي بعض الروايات أن هذا كان في أحد، وفي بعضها في سفر، كما اختلفت في أسماء الرجلين.
والله أعلم.