الحمد لله.
أولا:
من المجمع عليه؛ أن المباحات التي لم تعمل بقصد حسن ولا بقصد سيء فإن فاعلها لا يعاقب ولا يثاب عليها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" العلماء أجمعوا على ما دل عليه الكتاب والسنة من أن هناك قسما في الشريعة الإسلامية يسمى الحلال أو المباح ليس فيه ثواب ولا عقاب، إلا إذا كان وسيلة لمطلوب شرعا ففيه ثواب، أو كان وسيلة لمحرم ففيه عقاب " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (214 / 17).
لكن هل تكتب، وإن لم يحاسب عليها؟
هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
" وكلهم مجمعون على أنه لا جزاء إلا فيما فيه ثواب أو عقاب، فالذين يقولون: لا يكتب إلا ما فيه ثواب أو عقاب، والذين يقولون: يكتب الجميع، متفقون على إسقاط ما لا ثواب فيه ولا عقاب، إلا أن بعضهم يقولون: لا يكتب أصلا، وبعضهم يقولون: يكتب أولا، ثم يمحى " انتهى من "أضواء البيان" (7 / 690).
وعمدة هذه المسألة قول الله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ق/18.
فالذين قالوا يكتب كل شيء حتى المباح عمدتهم ظاهر الآية ؛ فظاهرها يدل على العموم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وقد اختلف " أهل التفسير " هل يكتب جميع أقواله؟
فقال مجاهد وغيره: يكتبان كل شيء حتى أنينه في مرضه.
وقال عكرمة: لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه أو يؤزر.
والقرآن يدل على أنهما يكتبان الجميع؛ فإنه قال: ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ ) نكرة في الشرط مؤكدة بحرف "من"؛ فهذا يعم كل قوله " انتهى من "مجموع الفتاوى" (7 / 49).
ومن ذهب إلى أن المباحات لا تكتب، عمدتهم أن عموم الآية مخصوص.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
" والذين قالوا: لا يكتب ما لا جزاء فيه. قالوا: إن في الآية نعتا محذوفا، سوَّغ حذفه العلم به؛ لأن كل الناس يعلمون أن الجائز لا ثواب فيه ولا عقاب، وتقدير النعت المحذوف: " ما يلفظ من قول مستوجب للجزاء ".
وقد قدمنا أن حذف النعت إذا دل عليه دليل: أسلوب عربي معروف، وقدمنا أن منه قوله تعالى: ( وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا )، أي كل سفينة صحيحة لا عيب فيها؛ بدليل قوله: ( فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ). وقوله تعالى: ( وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ )، أي قرية ظالمة؛ بدليل قوله تعالى: ( وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ).
وأن من شواهده قول عبيد بن الأبرص:
مَنْ قولُه قولٌ، ومن فعله ... فعل، ومَن نائلُه نائلُ
أي قول فصل، وفعل جميل، ونائل جزل. " انتهى من "أضواء البيان" (7 / 690 - 691).
وينظر للفائدة:
https://bit.ly/2RMOuKg
فالحاصل :
أن الملائكة تكتب جميع ما يقوله الإنسان .. حتى المباحات .. ثم إذا كان يوم القيامة تمحى تلك المباحات ، ولا يبقى في كتابه إلا ما يترتب عليه ثواب أو عقاب .
والله أعلم.