الحمد لله.
أولا:
الذي ينتفع بالمصائب نفعا أخرويا؛ إنما هو المؤمن دون غيره.
عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ رواه مسلم (2999).
لكن من المتقرر أن منازل أهل الكفر في النار تتفاوت بتفاوت كفرهم وظلمهم.
قال الله تعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ الأنعام/132.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" وقوله: ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ) أي: ولكل عامل، من طاعة الله أو معصيته: منازل ومراتب من عمله، يبلغه الله إياها، ويثيبه بها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
قلت: ويحتمل أن يعود قوله: ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا )، أي: من كافري الجن والإنس، أي: ولكل درجة في النار بحسبه، كقوله تعالى: ( قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ )، وقوله: ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ ). " انتهى من "تفسير ابن كثير" (3 / 342).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" ( وَلِكُلٍّ ) منهم ( دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ) بحسب أعمالهم، لا يجعل قليل الشر منهم ككثيره، ولا التابع كالمتبوع، ولا المرؤوس كالرئيس، كما أن أهل الثواب والجنة وإن اشتركوا في الربح والفلاح ودخول الجنة، فإن بينهم من الفرق ما لا يعلمه إلا الله، مع أنهم كلهم قد رضوا بما آتاهم مولاهم، وقنعوا بما حباهم " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 274).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" الكفار يتفاضلون في الكفر كما يتفاضل أهل الإيمان في الإيمان قال تعالى: ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ).
فإذا كان في الكفار من خف كفره، بسبب نصرته ومعونته؛ فإنه تنفعه شفاعته في تخفيف العذاب عنه، لا في إسقاط العذاب بالكلية، كما في "صحيح مسلم"؛ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ قَالَ: " يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: (نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) وفي لفظ: " إِنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَنْصُرُكَ فَهَلْ نَفَعَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: (نَعَمْ، وَجَدْتُهُ فِي غَمَرَاتٍ مِنَ النَّارِ، فَأَخْرَجْتُهُ إِلَى ضَحْضَاحٍ " ... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (1 / 144).
فتكفير السيئات بالمصائب إنما هو للمؤمنين فقط .
وبالنظر إلى واقع أهل الكفر ، فإن منهم من تشغله هذه المصائب عن مزيد من الكفر والإفساد في الأرض ، بخلاف غيره ممن أعطي الصحة والمال والسلطان ، فاستعمل ذلك في الفساد والإفساد ، فيكون عقاب الثاني أشد من الأول .
ومنهم من تزيده هذه المصائب كفرا وإجراما، حيث يجزع ولا يصبر ، وقد يتمادى به الأمر إلى الجرأة على رب العالمين، فيكون له من العذاب على قدر إجرامه.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (307041) .
والله أعلم.