خلال قراءتي في الأحاديث النبوية وجدت ما كتب في آخره " ولم يقف الديلمي على سنده فبيض له"، فما معنى بيض له ؟ وهل هذا يدل على درجة الحديث أم ماذا ؟ إليكم النص كاملا " كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما إذا صنعت الثريد غطَّته شيئا حتى يذهب فوره، ثم تقول: إني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه أعظم للبركة) . وقد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:(لا يؤكل طعام حتى يذهب بخاره) صحيح، "الصحيحة" (392)، (بردوا طعامكم) أي أمهلوا بأكله حتى يبرد قليلا، فإنكم إن فعلتم ذلك يبارك لكم فيه، وأما الحار فلا بركة فيه كما في عدة أخبار، ويظهر أن المراد بتبريده أن يصير باردا، تقبله البشرة، ويتهنى به الآكل بأن يكون فاترا، لا باردا بالكلية فإن أكثر الطباع تأباه، فالمراد بالبرد أول مراتبه . عد عن عائشة، ولم يقف الديلمي على سنده فبيض له ، فيض القدير جزء 3 صفحة 199" .
الحمد لله.
أولا:
قال المناوي رحمه الله تعالى:
" (بردوا طعامكم) أي أمهلوا بأكله حتى يبرد قليلا ...
(ابن عدي عن عائشة) ، ولم يقف الديلمي على سنده ، فبيّض له " انتهى من "فيض القدير" (3 / 199).
فقوله: " فبيّض له ".
التبييض: ضد التسويد، والسواد في الكتب هو الحبر الذي يكتب به .
فإذا ترك المؤلف فراغا في كتابه، خاليا من الكتابة، يقال ترك بياضا؛ فإذا غلب على ظن محقق الكتاب أو القارئ ، أنه تركه ليدخل فيه نصا معيّنا، كحديث مثلا، عند تيسره له، يقال: بيّض له، أي: ترك مكانا فارغا (بياضا)، لهذا النص أو الحديث، يضعه فيه، ويلحقه بكتابه، متى وقف عليه.
فقول الشارح، المناوي: " ولم يقف الديلمي على سنده، فبيض له ".
أي أن الديلمي ترك مكانا عند تصنيف كتابه، في هذا الموضع المذكور، لأجل هذا الحديث، حتى إذا عثر على سنده كتبه فيه.
وعلى ذلك؛ فمصطلح " بيّض له" لا علاقة له بدرجة الحديث، وليس مختصا بعلم الحديث بل هو مصطلح متعلق بتأليف الكتب وتصنيفها.
ثانيا:
هذا الحديث الذي قال صاحب "فيض القدير" : إن الديلمي ترك بياضا ليكتبه فيه، هو حديث: بردوا طعامكم يُبَارَك لكم فيه .
رواه ابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" (2 / 505)، قال: حَدثنا إبراهيم بن سفيان المطيري، حَدثنا مُحمد بن يُونُس، حَدثنا عَبد الرحمن بن المبارك، حَدثنا بَزِيع بن عَبد الله الخلال، حَدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم: ( يُنْضَح بول الغلام ويُغْسَل بول الجارية ).
وبإسناده: ( بردوا طعامكم يُبَارَك لكم فيه ).
ثم قال ابن عدي:
" وهذه الأحاديث عن هشام بن عروة، بهذا الإسناد مع أحاديث أُخَر، يروي ذلك كله بَزِيع أَبو الخليل هذا عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، مناكير كلها، لا يتابعه عليها أحد، وهو قليل الحديث " انتهى.
وضعفه الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (4 / 153 - 154)، حيث قال:
" منكر.
رواه ابن عدي (40 / 2) عن بزيع بن عبد الله الخلال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا.
قلت: كذا وقع في الأصل: "بزيع بن عبد الله الخلال "، وابن عدي إنما ساقه في جملة أحاديث ذكرها في ترجمة بزيع بن حسان الخصاف، فلا أدري هل تحرف اسمه في سند هذا الحديث على الناسخ، أم كذلك الرواية فيه؟ والراجح عندي الأول ...
وبزيع بن حسان هذا أورده الذهبي في "الضعفاء والمتروكين"، وقال: " متروك ". " انتهى.
لكن ورد ما يدل على استحباب ترك الطعام الساخن حتى تذهب شدة حرارته، ثم يؤكل.
فعن قُرَّة بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا ثَرَدَتْ، غَطَّتْهُ حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرُهُ، ثُمَّ تَقُولُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّهُ أَعْظَمُ للبرَكَةِ .
رواه الإمام أحمد في "المسند" (44 / 521) والدارمي في "السنن" (2 / 1301) وابن حبان "الإحسان" (5207)، وحسنه محققو المسند، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2 / 262).
والله أعلم.