الحمد لله.
أولا:
يشترط لصحة اقتداء المأموم بالإمام عند الحنفية: عدم اشتباه حال الإمام، وعدم اختلاف المكان.
فإذا كان الإمام يُرى، أو يُرى من وراءه، أو يُسمع، أو يُسمع المبلغ عنه، فقد زال الاشتباه.
وإذا كان الجميع في المسجد فقد اتحد المكان حقيقة، ولو كان المسجد واسعا.
وكذا لو كان المأموم خارج المسجد مع اتصال الصفوف فقد اتحد المكان حكما.
قال في "الدر المختار": "( وَالْحَائِلُ لَا يَمْنَعُ ) الِاقْتِدَاءَ ( إنْ لَمْ يَشْتَبِهْ حَالُ إمَامِهِ ) ، بِسَمَاعٍ أَوْ رُؤْيَةٍ ، وَلَوْ مِنْ بَابٍ مُشَبَّكٍ يَمْنَعُ الْوُصُولَ، فِي الْأَصَحِّ ، ( وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ ) حَقِيقَةً، كَمَسْجِدٍ، وَبَيْتٍ فِي الْأَصَحِّ. قنية. وَلَا حُكْمًا عِنْدَ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ" انتهى.
وقال ابن عابدين رحمه الله في حاشيته عليه (1/ 586): "( قَوْلُهُ بِسَمَاعٍ ) أَيْ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ الْمُكَبِّر.ِ تَتَارْخَانِيَّةٌ .
( قَوْلُهُ أَوْ رُؤْيَةٍ ) يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ كَالسَّمَاعِ ، لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَرَى انْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ، أَوْ أَحَدَ الْمُقْتَدِينَ. ح
( قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الِاشْتِبَاهُ وَعَدَمُهُ، كَمَا يَأْتِي , لَا إمْكَانُ الْوُصُولِ إلَى الْإِمَامِ وَعَدَمُهُ.
( قَوْلُهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ ) أَيْ مَكَانُ الْمُقْتَدِي ، وَالْإِمَامِ .
وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ اشْتَرَطَ عَدَمَ الِاشْتِبَاهِ ، وَعَدَمَ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ .
وَمَفْهُومُهُ : أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ كُلٌّ مِنْ الِاشْتِبَاهِ وَالِاخْتِلَافِ ، أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ : مَنَعَ الِاقْتِدَاءَ .
لَكِنْ الْمَنْعُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ فَقَطْ : فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي .
( قَوْلُهُ كَمَسْجِدٍ وَبَيْتٍ ) فَإِنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانٌ وَاحِدٌ ، وَلِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْفَصْلُ بِالْخَلَاءِ، إلَّا إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ كَبِيرًا جِدًّا . وَكَذَا الْبَيْتُ حُكْمُهُ حُكْمِ الْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ ، لَا حُكْمُ الصَّحْرَاءِ" انتهى.
وفي "الموسوعة الفقهية" (6/ 23): "فرق جمهور الفقهاء بين المسجد وغير المسجد ، فيما يتعلق بالمسافة بين الإمام والمقتدي.
فقال الحنفية والشافعية والحنابلة: إذا كان المأموم يرى الإمام أو من وراءه، أو يسمع التكبير وهما في مسجد واحد صح الاقتداء، وإن بعدت المسافة" انتهى.
ولم يتسن لنا الوقوف على كلام صريح في الطابق العلوي والسفلي، والظاهر أنه إذا زال الاشتباه، صح الاقتداء، فإذا كان المأمومون يسمعون صوت الإمام أو المبلغ عنه، صح اقتداؤهم.
وينظر ما سبق في جواب السؤال رقم: (212002) .
وينظر أيضا للفائدة:
https://www.alukah.net/sharia/0/29844/
ثانيا:
لا تختلف بقية المذاهب عن الحنفية في ذلك، وينصون على صحة اقتداء من كان في المسجد بمجرد سماع التكبير ولو لم ير الإمام أو المأمومين.
ففي "مختصر خليل" (مالكي): ", وَمُسْمِعٌ وَاقْتِدَاءٌ بِهِ , أَوْ بِرُؤْيَةٍ , وَإِنْ بِدَارٍ" انتهى.
وفي "منح الجليل" عليه (1/ 376): "( وَ ) جَازَ ( مُسْمِعٌ ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ مُخَفَّفَةً إنْ سَكَنَتْ السِّينُ وَمُثَقَّلَةً إنْ فُتِحَتْ، أَيْ اتِّخَاذِهِ وَنَصْبَهُ لَيُسْمِعَ الْمَأْمُومِينَ , بِرَفْعِ صَوْتِهِ بِالتَّكْبِيرِ فَيَعْلَمُونَ فِعْلَ الْإِمَامِ ( وَ ) جَازَ ( اقْتِدَاءٌ ) بِالْإِمَامِ ( بِ ) سَبَبِ سَمَاعِ صَوْتِ ( هـ ) أَيْ الْمُسْمِعِ، وَالْأَفْضَلُ رَفْعُ الْإِمَامِ صَوْتَهُ حَتَّى يُسْمِعَ الْمَأْمُومِينَ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْمُسْمِعِ... ( أَوْ ) اقْتِدَاءٌ بِالْإِمَامِ ( بِ ) سَبَبِ ( رُؤْيَةٍ ) لِلْإِمَامِ أَوْ لِمَأْمُومِهِ إنْ كَانَ الْمَأْمُومُ الْمُعْتَمِدُ بِمَحَلِّ الْإِمَامِ بَلْ ( وَإِنْ ) كَانَ الْمَأْمُومُ ( بِدَارِ ) وَالْإِمَامُ بِمَسْجِدٍ أَوْ دَارٍ أُخْرَى" انتهى.
وهم أوسع المذاهب في هذا الباب، فيجيزون اقتداء من بدار مجاورة بإمام في المسجد.
وقال النووي في "المنهاج" (شافعي): " وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ بِأَنْ يَرَاهُ أَوْ بَعْضَ صَفٍّ، أَوْ يَسْمَعَهُ أَوْ مُبَلِّغًا . وَإِذَا جَمَعَهُمَا مَسْجِدٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَحَالَتْ أَبْنِيَةٌ " انتهى.
قال في "مغني المحتاج" (1/ 494) : " وَإِذَا جَمَعَهُمَا مَسْجِدٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ ) بَيْنَهُمَا فِيهِ ( وَحَالَتْ أَبْنِيَةٌ ) كَبِئْرٍ وَسَطْحٍ وَمَنَارَةٍ تُنَفِّذُ أَبْوَابُهَا , وَإِنْ أُغْلِقَتْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِسَطْحِ الْمَسْجِدِ بَابٌ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ كُلَّهُ مَبْنِيٌّ لِلصَّلَاةِ , فَالْمُجْتَمِعُونَ فِيهِ مُجْتَمِعُونَ لِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ مُؤَدُّونَ لِشِعَارِهَا " انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (حنبلي) (1/ 491) : "( فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الِاقْتِدَاءِ ) ( إذَا كَانَ الْمَأْمُومُ يَرَى الْإِمَامَ أَوْ مَنْ وَرَاءَهُ , وَكَانَا فِي الْمَسْجِدِ صَحَّتْ ) صَلَاةُ الْمَأْمُومِ ( وَلَوْ لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ عُرْفًا ) ; لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِلْجَمَاعَةِ فَكُلُّ مَنْ حَصَلَ فِيهِ حَصَلَ فِي مَحَلِّ الْجَمَاعَةِ , بِخِلَافِ خَارِجِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُعَدًّا لِلِاجْتِمَاعِ فِيهِ فَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ الِاتِّصَالُ فِيهِ . ( وَكَذَا إنْ لَمْ يَرَ ) الْمَأْمُومُ ( أَحَدَهُمَا ) أَيْ : الْإِمَامِ أَوْ مَنْ وَرَاءَهُ ( إنْ سَمِعَ التَّكْبِيرَ ) ; لِأَنَّهُمْ فِي مَوْضِعِ الْجَمَاعَةِ وَيُمْكِنُهُمْ الِاقْتِدَاءُ بِهِ بِسَمَاعِ التَّكْبِيرِ أَشْبَهَ الْمُشَاهَدَةَ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ التَّكْبِيرَ وَلَمْ يَرَهُ وَلَا بَعْضُ مَنْ وَرَاءَهُ ( فَلَا ) تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ , لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِإِمَامِهِ " انتهى.
والحاصل:
أن من كان في المسجد، ولو في الطابق العلوي، يصح اقتداؤه بالإمام، إذا لم يشتبه عليه حاله، إما بسماع التكبير، أو برؤية الإمام، أو بعض المأمومين.
والله أعلم.