ما أفضل صيغ الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

08-10-2024

السؤال 322737

يقول الله تعالى: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) أمر من الله بالصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم، ولما سئل عليه الصلاة والسلام قالوا: يا رسول الله قد عملنا كيف نسلم عليك، ـ وقصدهم ما جاء في التحيات ( السلام عليك أيها النبي و رحمة الله وبركاته…) فكيف نصلي عليك؟
فعلمهم الصلاة عليه كما جاءت في الصلوات الإبراهيمية بصيغ متنوعة.
ومعلوم أن أهل العلم يرون أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم خارج الصلاة تجزئ بأي لفظ كان. مثل قولنا( اللهم صل وسلم على نبينا محمد)، إلا أنهم يرون أن الإتيان بإحدى الصيغ الإبراهيمية أفضل وأكمل.
والسؤال: الصلوات الإبراهيمية لا يوجد فيها سلام على النبي صلى الله عليه وسلم إنما فقط صلاة وتبريك، والله تعالى يقول: ( صلوا عليه وسلموا تسليما)، فكيف تكون أفضل وهي خالية من السلام!؟
داخل الصلاة هي أفضل بلا شك؛ لأنه سبقها السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن خارج الصلاة تكون خالية من السلام، وهل يمكن أن تكون الصلاة والسلام من الألفاظ التي لو افترقت اجتعمت والعكس كما هو الحال في الإيمان والإسلام؟ وبذلك تكون الصلاة الإبراهيمية لوحدها متضمنة معنى الصلاة والسلام والتبريك؟
السؤال الآخر: هل الصيغة التالية في الصلاة عليه صحيحة أم فيها بدعة كونها لم ترد بهذا اللفظ وأنا أقصد خارج الصلاة طبعاً ( اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آل محمد)؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

لا حرج في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، بأي لفظ أدى المراد؛ فلو قال: اللهم صل على محمد، أو قال: صلى الله على محمد، أو قال: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، أو قال: صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك فقد صلى عليه صلى الله عليه وسلم صلاة صحيحة مجزئة، والأمر في ذلك واسع .

وهذا كله: خارج الصلاة .

أما داخل الصَّلاة ؛ فينبغي الاقتصار على المأثور الوارِد .

وينظر جواب السؤال رقم: (209135).

ثانيًا:

أفضل صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي الصلاة الإبراهيمية التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، والتي أمر المسلمين أن يصلوا عليه بها في كل صلاة، ولها صيغ متعددة أشهرها:

الصيغة الأولى: اللهمَّ صلِّ على محمَّد وعلى آل محمَّد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنَّك حميدٌ مجيد. اللهمَّ بارِك على محمَّد وعلى آل محمَّد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنَّك حميدٌ مجيد. رواه البخاري (3370)، ومسلم (406)، من حديث كعب بن عجُرة -رضي الله عنه-.

والصيغة الثانية: اللهمَّ صلِّ على محمَّد وأزواجه وذُريَّته، كما صليتَ على آل إبراهيم، وبارِك على محمَّد وأزواجه وذُريَّته، كما باركتَ على آل إبراهيم؛ إنَّك حميدٌ مجيد. رواه البخاري (3369)، ومسلم (407)، مِن حديث أبي حُمَيد السَّاعدي -رضي الله عنه-.

قال الحافظ بن حجر: "واستدل بتعليمه صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكيفية، بعد سؤالهم عنها: بأنها أفضل كيفيات الصلاة عليه، لأنه لا يختار لنفسه إلا الأشرف الأفضل" انتهى، من "فتح الباري" (11/166).

وقال السيوطي رحمه الله في الحرز المنيع: "وقرأت في الطبقات للتاج السبكي، نقلا عن أبيه ما نصه: أحسن ما يصلى به على النبي صلى الله عليه وسلم: بهذه الكيفية التي في التشهد، ومن أتى بها ، فقد صلى على النبي صلى الله عليه وسلم بيقين، ومن جاء بلفظ غيرها فهو من إتيانه بالصلاة المطلوبة في شك؛ لأنهم قالوا: كيف نصلي عليك؟ فقال: (قولوا) فجعل الصلاة عليه منهم هي قول ذا.

ثم قال: وكان لا يفتر لسانه عن الإتيان بهذه الصلاة".

ثم قال السيوطي: "وقد كنت في شبيبتي إذا صليت على النبي صلى الله عليه وسلم أقول: اللهم صل وبارك وسلم على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت وسلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

فقيل لي في منامي: أأنت أفصح أو أعلم بمعاني الكلم وجوامع فصل الخطاب من النبي صلى الله عليه وسلم؟ لو لم يكن في التفضيل معنى زائد لما فضّل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

فاستغفرت من ذلك، ورجعت إلى نص التفضيل في موضع الوجوب وفي موضع الاستحباب" انتهى، "الحرز المنيع" (ص35_36).

ثالثًا:

أما عن استفسارك عن كيف تكون الصلاة الإبراهيمية أفضل صيغ الصلاة مع خلوها عن السلام، فيقال: أنه وإن كان السلام من أوجه التفضيل، إلا أنه ليس الوجه الوحيد، ففي الصلاة الإبراهيمة الجمع بين الصلاة والبركة، وذكر الآل وذكر إبراهيم عليه السلام، وغير ذلك من أوجه التفضيل، وأوضحها وأظهرها أن هذه الصيغة هي التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه.

وليس معنى أن هذه هي الصيغة هي أفضل الصيغ، أن يقتصر عليها، بل ينوع بين الصيغ الواردة كلها، فيجمع بين الصلاة والسلام وغير ذلك مما هو وارد.

وقد يعرض للعمل المفضول، ما يجعله أفضل من العمل الفاضل، وللصيغة المفضولة، ما يجعلها أفضل من الصيغة الفاضلة؛ فالصلاة الإبراهيمية، وإن كانت أفضل الصيغ؛ فإنها هكذا في الصلاة، وهو المأثور فيها.

وأما من كانت له أوراد من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كمن يصلي عليه مائة مرة، أو نحو ذلك من وظائف الأذكار التي يحافظ عليها المرء، فيما بينه وبين ربه: فلا يظهر أنه يأتي في مثل ذلك بالصيغة الإبراهيمية، بل يكفيه ما تيسر له من صيغ الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كانت مختصرة، والإكثار من هذه الصيغة المختصرة، في أوراده، أفضل ـ والله أعلم ـ من أن يأتي بعدد قليل من الصلاة الإبراهيمية؛ بل لا نعلم أن الصحابة والسلف الصالح كانوا يلتزمون الصلاة الإبراهيمية في خارج الصلاة.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (445150).

رابعًا:

أما عن قولك: إن الصلاة والسلام إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فلم نقف على من ذكر هذا، ولا يظهر لنا هذا، أما "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " فمعناها – عند جمهور العلماء -: من الله تعالى: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الآدميين: الدعاء.

وذهب آخرون – ومنهم أبو العالية من المتقدمين، وابن القيم من المتأخرين، وابن عثيمين من المعاصرين – إلى أن معنى "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" هو الثناء عليه في الملأ الأعلى، ويكون دعاء الملائكة ودعاء المسلمين بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بأن يثني الله تعالى عليه في الملأ الأعلى.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: " قوله: "صلِّ على محمد" قيل: إنَّ الصَّلاةَ مِن الله: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الآدميين: الدُّعاء.

فإذا قيل: صَلَّتْ عليه الملائكة، يعني: استغفرت له.

وإذا قيل: صَلَّى عليه الخطيبُ، يعني: دعا له بالصلاة .

وإذا قيل: صَلَّى عليه الله، يعني: رحمه.

وهذا مشهورٌ بين أهل العلم، لكن الصحيح خِلاف ذلك، أن الصَّلاةَ أخصُّ من الرحمة، ولذا أجمع المسلمون على جواز الدُّعاء بالرحمة لكلِّ مؤمن، واختلفوا: هل يُصلَّى على غير الأنبياء؟ ولو كانت الصَّلاةُ بمعنى الرحمة لم يكن بينهما فَرْقٌ، فكما ندعو لفلان بالرحمة نُصلِّي عليه.

وأيضاً: فقد قال الله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} البقرة/157، فعطف "الرحمة" على "الصلوات"؛ والعطفُ يقتضي المغايرة.

فتبيَّن بدلالة الآية الكريمة، واستعمال العلماء رحمهم الله للصلاة في موضع والرحمة في موضع: أن الصَّلاة ليست هي الرحمة.

وأحسن ما قيل فيها: ما ذكره أبو العالية رحمه الله أنَّ صلاةَ الله على نبيِّه: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.

فمعنى "اللَّهمَّ صَلِّ عليه" أي: أثنِ عليه في الملأ الأعلى، أي: عند الملائكة المقرَّبين.

فإذا قال قائل: هذا بعيد مِن اشتقاق اللفظ؛ لأن الصَّلاة في اللُّغة الدُّعاء، وليست الثناء؟

فالجواب على هذا: أن الصلاة أيضاً من الصِّلَة، ولا شَكَّ أن الثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى من أعظم الصِّلات؛ لأن الثناء قد يكون أحياناً عند الإنسان أهمُّ من كُلِّ حال، فالذِّكرى الحسنة صِلَة عظيمة.

وعلى هذا؛ فالقول الرَّاجح: أنَّ الصَّلاةَ عليه تعني: الثناء عليه في الملأ الأعلى " انتهى. " الشرح الممتع" (3 / 163، 164).

وقال رحمه الله: "قوله: "السلام عليك": السَّلام قيل: إنَّ المراد بالسَّلامِ: اسمُ الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ اللَّهَ هو السَّلامُ) كما قال الله تعالى في كتابه: {الملك القدوس السلام} الحشر/23.

وبناءً على هذا القول، يكون المعنى: أنَّ الله على الرسول صلى الله عليه وسلم بالحِفظ والكَلاءة والعناية وغير ذلك، فكأننا نقول: اللَّهُ عليك، أي: رقيب حافظ مُعْتَنٍ بك، وما أشبه ذلك.

وقيل: السلام: اسم مصدر سَلَّمَ بمعنى التَّسليم، كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} الأحزاب/56، فمعنى التسليم على الرسول صلى الله عليه وسلم: أننا ندعو له بالسَّلامة مِن كُلِّ آفة.

إذا قال قائل: قد يكون هذا الدُّعاء في حياته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ واضحاً، لكن بعد مماته كيف ندعو له بالسَّلامةِ وقد مات صلى الله عليه وسلم؟

فالجواب: ليس الدُّعاءُ بالسَّلامة مقصوراً في حال الحياة، فهناك أهوال يوم القيامة، ولهذا كان دعاء الرُّسل إذا عَبَرَ النَّاسُ على الصِّراط: " اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ "، فلا ينتهي المرءُ مِن المخاوف والآفات بمجرد موته.

إذاً؛ ندعو للرَّسول صلى الله عليه وسلم بالسَّلامةِ من هول الموقف.

ونقول – أيضاً -: قد يكون بمعنى أعم، أي: أنَّ السَّلامَ عليه يشمَلُ السَّلامَ على شرعِه وسُنَّتِهِ، وسلامتها من أن تنالها أيدي العابثين؛ كما قال العلماءُ في قوله تعالى: {فردوه إلى الله والرسول} النساء/59، قالوا: إليه في حياته، وإلى سُنَّتِهِ بعد وفاته.

وقوله: "السلام عليك" هل هو خَبَرٌ أو دعاءٌ؟ يعني: هل أنت تخبر بأن الرسولَ مُسَلَّمٌ، أو تدعو بأن الله يُسلِّمُه؟

الجواب: هو دُعاءٌ تدعو بأنَّ الله يُسلِّمُه، فهو خَبَرٌ بمعنى الدُّعاء.

ثم هل هذا خطاب للرَّسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كخطابِ النَّاسِ بعضهم بعضاً؟.

الجواب: لا، لو كان كذلك لبطلت الصَّلاة به؛ لأن هذه الصلاة لا يصحُّ فيها شيء من كلام الآدميين؛ ولأنَّه لو كان كذلك لجَهَرَ به الصَّحابةُ حتى يَسمعَ النبي صلى الله عليه وسلم، ولردَّ عليهم السَّلام كما كان كذلك عند ملاقاتِهم إيَّاه، ولكن كما قال شيخ الإسلام في كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم ": لقوَّة استحضارك للرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلام حين السَّلامِ عليه، كأنه أمامك تخاطبه.

ولهذا كان الصَّحابةُ يقولون: السلام عليك، وهو لا يسمعهم، ويقولون: السلام عليك، وهم في بلد وهو في بلد آخر، ونحن نقول: السلام عليك، ونحن في بلد غير بلده، وفي عصر غير عصره" انتهى، من "الشرح الممتع" (3 / 149، 150).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (174685).

والله أعلم.

 

عرض في موقع إسلام سؤال وجواب