زواج النبي صلى الله عليه وسلم من جويرية رضي الله عنها

20-03-2020

السؤال 323661

فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: " لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي السَّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ - أَوْ لِابْنِ عَمٍّ لَهُ - وَكَاتَبَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتْ امْرَأَةً حُلْوَةً مُلَاحَةً لَا يَرَاهَا أَحَدٌ إِلَّا أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَكَرِهْتُهَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَرَى مِنْهَا مَا رَأَيْتُ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ سَيِّدِ قَوْمِهِ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، فَوَقَعْتُ فِي السَّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ - أَوْ لِابْنِ عَمٍّ لَهُ - فَكَاتَبْتُهُ عَلَى نَفْسِي، فَجِئْتُكَ أَسْتَعِينُكَ عَلَى كِتَابَتي قال لها صلى الله عليه وسلم: (فَهَلْ لَكِ فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟) قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (أَقْضِي كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ) قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (قَدْ فَعَلْتُ)" فهل ذلك يعني أن الحبيب ما تزوجها إلا لجمالها، وأنها أخذت بنفسه كما أخذت بنفوس الرجال؟وهل ذلك يتعارض مع أخلاق المصطفي؟ فقد قال ربنا : (وإنك لعلي خلق عظيم) كما أن بعد الزواج تم إطلاق أسري قبيلة السيدة جويرية، وأسلم منهم، أي تحقق هدف جلي عظيم بهذا الزواج المبارك، فأرجو التوضيح .

الجواب

الحمد لله.

أولا:

روى الإمام أحمد  في "المسند" (43 / 384)، وأبو داود (3931) عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: " لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي السَّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ - أَوْ لِابْنِ عَمٍّ لَهُ - وَكَاتَبَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتْ امْرَأَةً حُلْوَةً مُلَاحَةً لَا يَرَاهَا أَحَدٌ إِلَّا أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا، قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَكَرِهْتُهَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَرَى مِنْهَا مَا رَأَيْتُ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ سَيِّدِ قَوْمِهِ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، فَوَقَعْتُ فِي السَّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ - أَوْ لِابْنِ عَمٍّ لَهُ - فَكَاتَبْتُهُ عَلَى نَفْسِي، فَجِئْتُكَ أَسْتَعِينُكَ عَلَى كِتَابَتِي.

قَالَ:  فَهَلْ لَكِ فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟  قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:  أَقْضِي كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ ، قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ:  قَدْ فَعَلْتُ قَالَتْ: وَخَرَجَ الْخَبَرُ إِلَى النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، فَقَالَ النَّاسُ: أَصْهَارُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ، قَالَتْ: فَلَقَدْ أُعْتِقَ بِتَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا ".

وحسّنه محققو المسند، والشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود".

ثانيا:

ليس في الحديث ما ينص على أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم المؤمنين جويرية رضي الله عنها لأجل جمالها، وإنما غاية ما في الحديث أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقع ذلك في نفسها لما رأتها، فخشيت من جمالها أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما جبلت عليه النساء من الغيرة.

حسنا؛ هب أن فيه ذلك ، وأنه صلى الله عليه وسلم قد أعجبه حسنها وجمالها ، رضي الله عنها وأرضاها؛ فأي شيء في ذلك، وما وجه خلافه للخلق الكريم الذي أكرم به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؟!

هل استحسان الجمال، مما يعيب الخلق الكريم؟

أم في الرغبة فيما شرع الله لنبيه وحبيبه، ما يخالف خلقه الكريم ؟

أما ذا على وجه التحديد ؟

هل من كمال خلقه، ونبوته : ألا يحب الجمال ، ولا يستحسن الحسن ؟

بلى؛ قد كان يحب الجمال، وهذا من كماله، واستقامة طبعه، وهو ذلك، وفوق ذلك، وأجل من ذلك، وقد كان يحب الطيب، والنساء ، وجعلت قرة عينه في الصلاة ؛ بأبي هو وأمي، صلى الله عليه وسلم .

وهل إذا استطاب الإنسان طعاما من الطيبات، فأكله، بما أحله الله له: كان في ذلك غض من قدره، ونقصان من حاله، وشين في خلقه؟!

وقد أوسع الله على نبيه في ذلك، ما شاء الله ؛ كما قال تعالى :  لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا   الأحزاب/52.

فقوله تعالى:   وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ   يفهم منه أنه كان مباحا له قبل هذا أن يتزوج بمن يعجبه حسنها، وهذا الأمر لا يحتاج إلى استدلال ، لأنه من المعلوم أن الرجل لن يتزوج امرأة إلا إذا استحسنها ، ثم بعد نزول هذه الآية ، أباح الله للنبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى الزواج بما شاء من النساء . فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " مَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنَ النِّسَاءِ مَا شَاءَ " رواه النسائي (3205)، والترمذي (3216)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ"، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3224).

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" ذكر غير واحد من العلماء -كابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، وابن زيد، وابن جرير، وغيرهم -أن هذه الآية نزلت مجازاة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضا عنهن، على حسن صنيعهن في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة، لما خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تقدم في الآية. فلما اخترن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان جزاؤهن أن الله قصره عليهن، وحرم عليه أن يتزوج بغيرهن، أو يستبدل بهن أزواجا غيرهن، ولو أعجبه حسنهن ، إلا الإماء والسراري فلا حجر عليه فيهن.

ثم إنه تعالى رفع عنه الحجر في ذلك ، ونسخ حكم هذه الآية، وأباح له التزوج، ولكن لم يقع منه بعد ذلك تزوج لتكون المنة للرسول صلى الله عليه وسلم عليهن  " انتهى من "تفسير ابن كثير" (6 / 447).

ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أتقى الناس لربه، وحق له ذلك، وكان أعلمه به صلى الله عليه وسلم ، وحق له ذلك، وأرغبهم فيما عنده ، وأقومهم بحقه ، بأبي هو و أمي، صلى الله عليه وسلم، وقد أكمل الله له مقامات العبودية في أمره كله؛ وقد قال له رب العالمين:  قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  الأنعام/162.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي ) أي: ما آتيه في حياتي، وما يجريه الله عليَّ، وما يقدر عليَّ في مماتي، الجميع ( لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ ) في العبادة " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 282).

ثم تأمل في قول النبي صلى الله عليه وسلم لجويرية، رضي الله عنها :

 فَهَلْ لَكِ فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟  قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:  أَقْضِي كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ  ، قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ " ؛ وتأمل أي خير، وأي مقام شرف وبركة حصل لها بذلك، حتى صارت أم للمؤمنين، وزوجا لخاتم المرسلين، ثم انظر ما كان من بركة ذلك على أهلها أجمعين، حتى قالت عائشة رضي الله عنها:

"فَلَقَدْ أُعْتِقَ بِتَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا ".

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (315970)

والله أعلم.

السيرة النبوية
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب