قام رجل صيني غير مسلم بالذهاب بكلبه لعلاجه عند طبيب بيطري مسلم، ولما شُفي الكلب فرّ من الطبيب، فلما جاء هذا صاحب الكلب، وعرف أن كلبه ضاع، طلب من الطبيب ثمنه فدفع له ثمنه، وبعد فترة رجع الكلب إلى الطبيب، فأعطاه لصاحبه الصيني، ولما طلب الطبيب من صاحب الكلب المبلغ الذي دفعه له قيمة للكلب، اعتذر له بعدم وجود أموال لديه حالياً، ولكنه سمح للطبيب ببيع الكلب واستيفاء أمواله، فهل يجوز للطبيب بيع الكلب واسترداد المال الذي دفعه سابقا؟
الحمد لله.
لا يجوز بيع الكلب، ولو كان مما يجوز اقتناؤه ككلب الصيد؛ لأحاديث كثيرة وردت في تحريم ثمنه، منها:
ما روى البخاري (1944) عن أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ .
وما روى البخاري (2083)، ومسلم (2930) عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ ".
وروى أبو داود (3021) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ ، وَإِنْ جَاءَ يَطْلُبُ ثَمَنَ الْكَلْبِ، فَامْلأْ كَفَّهُ تُرَابًا " .
قال الحافظ ابن حجر: إسناده صحيح . وصححه الألباني في"صحيح أبي داود" .
وروى أبو داود (3023) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يَحِلُّ ثَمَنُ الْكَلْبِ ، وَلا حُلْوَانُ الْكَاهِنِ ، وَلا مَهْرُ الْبَغِيِّ قال الحافظ : إسناده حسن . وصححه الألباني في"صحيح أبي داود" .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم: " وَأَمَّا النَّهْي عَنْ ثَمَن الْكَلْب ، وَكَوْنه مِنْ شَرّ الْكَسْب ، وَكَوْنه خَبِيثًا : فَيَدُلّ عَلَى تَحْرِيم بَيْعه , وَأَنَّهُ لا يَصِحّ بَيْعه , وَلا يَحِلّ ثَمَنه , وَلا قِيمَة عَلَى مُتْلِفه سَوَاء كَانَ مُعَلَّمًا أَمْ لا , وَسَوَاء كَانَ مِمَّا يَجُوز اِقْتِنَاؤُهُ أَمْ لا .
وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَرَبِيعَة وَالأَوْزَاعِيّ وَالْحَكَم وَحَمَّاد وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذِر وَغَيْرهمْ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يَصِحّ بَيْع الْكِلاب الَّتِي فِيهَا مَنْفَعَة , وَتَجِب الْقِيمَة عَلَى مُتْلِفهَا . وَحَكَى اِبْن الْمُنْذِر عَنْ جَابِر وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ جَوَاز بَيْع كَلْب الصَّيْد دُون غَيْره ... ودَلِيل الْجُمْهُور هَذِهِ الأَحَادِيث " انتهى .
وينظر: جواب السؤال رقم : (69818).
وعليه فلم يكن يلزم الطبيب أن يعطي ثمن الكلب لصاحبه؛ لأن الكلب لا قيمة له شرعا.
يلزم الرجل الصيني أن يرد المال إلى الطبيب، فيتولى هو بيع الكلب ويرد المال، ولا يجوز للطبيب أن يأخذ الكلب في مقابل المال، ولا أن يتولى بيع الكلب ليحصل على ماله؛ لأن بيعه محرم كما تقدم.
ولا حرج على الطبيب في أخذ المال مع علمه أنه من ثمن البيع المحرم؛ لأن بيع الكافر للكلب جائز عند بعض الفقهاء، وكذا بيع كلب الصيد والحراسة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وما قبض بتأويل، فإنه يسوغ للمسلم أن يشتريه ممن قبضه، وإن كان المشتري يعتقد أن ذلك العقد محرم، كالذمي إذا باع خمرا وأخذ ثمنه، جاز للمسلم أن يعامله في ذلك الثمن، وإن كان المسلم لا يجوز له بيع الخمر، كما قال عمر بن الخطاب: ولُّوهم بيعها وخذوا أثمانها. وهذا كان سببه أن بعض عماله أخذ خمرا في الجزية، وباع الخمر لأهل الذمة، فبلغ ذلك عمر فأنكر ذلك، وقال: ولوهم بيعها وخذوا أثمانها. وهذا ثابت عن عمر وهو مذهب الأئمة" انتهى من"مجموع الفتاوى"(29/ 265).
والله أعلم.