كيف أجمع بين حديث أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ومنها الأصابع، وبين الصلاة بالنعل، فهل أثني النعل، وإن لم أستطع فهل أخلع النعل وأصلي ؟
الحمد لله.
الواجب هو أن تلمس أطراف الرجلين الأرض عند السجود؛ لأمر الشرع بذلك.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الجَبْهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ، وَاليَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ القَدَمَيْنِ. وَلاَ نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَالشَّعَرَ رواه البخاري (812)، ومسلم (490).
قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:
" ظاهر الحديث يدل على وجوب السجود على هذه الأعضاء؛ لأن الأمر للوجوب. والواجب عند الشافعي منها الجبهة، لم يتردد قوله فيه. واختلف قوله في اليدين والركبتين والقدمين. وهذا الحديث يدل للوجوب. وقد رجح بعض أصحابه عدم الوجوب. ولم أرهم عارضوا هذا بدليل قوي أقوى من دلالته " انتهى من "إحكام الأحكام" (1 / 214).
وقال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" ولا خلاف في أن السجود على هذه الأعضاء هو السجود الكامل، واختلفوا في الواجب من ذلك:
فقالت طائفة: يجب السجود على جميعها، وهو أحد القولين للشافعي، ورجحه كثير من أصحابه، والصحيح المشهور عن أحمد، وعليه أصحابه، وأكثرهم لم يحك عنه فيه خلافا، وهو قول مالك وإسحاق وزفر، وحكى عن طاوس.
ويدل على هذا القول: هذه الأحاديث الصحيحة بالأمر بالسجود على هذه الأعضاء كلها، والأمر للوجوب " انتهى من"فتح الباري" (7 / 252).
فإذا مست أطراف أصابع الرجلين الأرض: فهذا يتحقق به الأمر، وكذا يتحقق بمس الأرض بما يستر الرجل من جورب أو حذاء ونحوه؛ لأن الصلاة في النعال مشروعة، فلا يشترط لصحة السجود أن تكون القدم مكشوفة.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:
" وقال بعض أهل العلم: أجمع أهل العلم على أن للمصلي أن يسجد على ركبتيه، وهما مستوران بالثياب، وكذلك له أن يسجد وقدماه في الخفين والجوربين والنعلين " انتهى من "الأوسط" (3 / 181).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" أما الصلاة في النعل ونحوه، مثل الجمجم، والمداس والزربول وغير ذلك: فلا يكره، بل هو مستحب؛ لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ ). وفي السنن عنه أنه قال: ( إن الْيَهُودَ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ فخالفوهم )، فأمر بالصلاة في النعال مخالفة لليهود.
وإذا علمت طهارتها لم تكره الصلاة فيها باتفاق المسلمين " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22 / 121).
وقد ورد في حديث أَبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيّ، أنه قال: " أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَيْتُهُ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلاَ قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ القِبْلَةَ ..." رواه البخاري (828).
وفي رواية، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَهْوَى إِلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ إِبِطَيْهِ، وَفَتَخَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ" رواه النسائي (1101)، ورواه أبو داود (730) والترمذي (304)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:
" وفيه: (... وَفَتَخَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ )، أي: نصبها وغمز موضع المفاصل منها، وثناها إلى باطن الرجل " انتهى من "النهاية" (3 / 408).
وإذا قدر أنه لا يقدر على ثني أصابع القدمين، واستقبال القبلة بأطرافهما، وهو في صلاته، فإن صلاته صحيحة، ولو كان يمس الأرض بظاهر الأصابع، لا بباطنهما، على الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة.
وينظر جواب السؤال رقم : (316869).
والله أعلم.