هل يجوز للمرء اتبّاع وقت العصر في المذهب الحنفي، وهل يعتبر صحيحا؟ وهل تستطيع أن تصلي الظهر أو الجمعة بين وقت العصر في المذهب الشافعي ووقت العصر في المذهب الحنفي؟ وهل يجوز أخذ هذا الرأي في يوم، والرأي الآخر في يوم آخر للضرورة؟ على سبيل المثال، يصلي العصر فقط حسب المذهب الحنفي في يوم الجمعة حتى تتمكن من صلاة الجمعة.
الحمد لله.
وقت الجمعة يمتد إلى نهاية وقت الظهر، باتفاق العلماء .
واختلف الفقهاء في نهاية وقت الظهر- الذي هو بداية وقت العصر- على قولين:
الأول: أنه إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، وهذا مذهب الجمهور، ورواية عن أبي حنيفة، وهو قول أبي يوسف ومحمد وزفر، وهو المفتى به عند الحنفية.
الثاني: أنه إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه، وهذا مذهب الحنفية.
ودليل الجمهور: ما روى مسلم (612) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ، وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ ، مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ ، فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ .
وروى أحمد (3081)، والترمذي (149) عن ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ البَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الأُولَى مِنْهُمَا ، حِينَ كَانَ الفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ صَلَّى الفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الفَجْرُ، وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ، وَصَلَّى المَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ العَصْرِ بِالأَمْسِ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ الآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتِ الأَرْضُ، ثُمَّ التَفَتَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا وَقْتُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَالوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ والحديث صححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وقد أخذ كثير من الحنفية بقول الجمهور لظهور أدلتهم.
قال الحصكفي: "ووقت الظهر من زواله أي ميل ذُكاء [أي الشمس] عن كبد السماء إلى بلوغ الظل مثليه، وعنه: مثله، وهو قولهما وزفر والأئمة الثلاثة. قال الإمام الطحاوي: وبه نأخذ. وفي غرر الأذكار: وهو المأخوذ به. وفي البرهان: وهو الأظهر. لبيان جبريل. وهو نص في الباب. وفي الفيض: وعليه عمل الناس اليوم وبه يفتى " انتهى من "الدر المختار مع حاشية ابن عابدين" (1/ 359).
لا يجوز تأخير الظهر أو الجمعة عن نهاية وقت الظهر عند الجمهور، وفاعل ذلك مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، ويُعذر المقلد لأبي حنيفة رحمه الله، وينبغي أن يقدم الصلاة احتياطا، وخروجا من الخلاف.
وسواء في ذلك أن توجد حاجة تدعو لتأخير الجمعة أو لا؛ لأن تأخير الصلاة عن الوقت محرم.
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : عمن يدرسون بالولايات المتحدة ، وبرنامج الدراسة ليس فيه وقت للصلاة ، وأداء صلاة الجمعة بالنسبة لوقت الولايات المتحدة الساعة الواحدة والنصف ، ويضطرون إلى تأخيرها إلى الساعة الرابعة لظروف برنامج الدراسة ، فهل يجوز تأخير الصلاة إلى ذلك الوقت ؟
فأجابوا : "الصلوات الخمس في أوقات معينة من الشارع الحكيم ، لا يجوز تأخيرها عنها ، فإذا كان تأخير الصلاة لعذر لا يفوت وقتها الذي فرضت فيه: جاز التأخير ، وإذا كان يفوته حرم ، وإذا كان الاستمرار في الدراسة يخرج الصلاة عن وقتها، لم يجز للدارس فعل ذلك ، ووجب عليه أن يصليها في وقتها ، والجمعة آخر وقتها هو آخر وقت الظهر ، فلا يجوز أن تؤخر عنه بحال .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/197).
لكن يجوز الجمع بين الظهر والعصر تقديما أو تأخيرا، لعذر، كالسفر أو المرض أو المطر، أو حصول مشقة أو حرج.
وينظر: جواب السؤال رقم:(147381)، ورقم : (97455).
ولا يجوز جمع الجمعة مع العصر ؛ لأن الجمعة ليست ظهرا، وإنما هي صلاة مستقلة.
والله أعلم.