في بلادي الحليب منتج شحيح، والبائع يشتري الحليب من عند المزود، و يشترط عليه أن يشتري كمية كبيرة من الزبادي، وهو بدوره يشترط على المشترين عند شراء الحليب أن يشتروا ثمانية علب الزبادي، وقيمتها غالية، وهذا يثقل كاهل الناس، ونحن نجبر أن نشتري لنطعم أطفالنا، ولأن الحليب مادة أساسية، بعض الناس يقولون: هذا ابتزاز، وكل الباعة يتصرفون بنفس المنوال، يعني إن كان هناك باعة يبعون إلا الحليب لتركنا الباعة الذين يبيعون الحليب والزبادي. سؤال: هل يجوز لهم ابتزاز الناس، وفرض شروط تثقل كاهلهم، برغم أنهم يعلمون أنه ليس للزبون أي حل إلا قبول الشروط ؟
الحمد لله.
أولا:
لا يجوز لبائع اللبن أن يشترط شراء الزبادي معه بما يشق على الناس ويثقل كاهلهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ أخرجه أحمد (2865) وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
ولا ينبغي أن يصنع الزبادي مع عدم وجود فائض من اللبن.
والإثم يقع على البائع الأول لأنه من أدخل الضرر على من بعده. فإن كان يفعل ذلك ليعوض النقص في ثمن اللبن، فليرفع ثمنه بما يحقق له الربح ولا يضر بالناس، وعلى الدولة أن تراقب ذلك، وتمنع التجار من استغلال حاجة الناس وإلحاق الضرر بهم.
ثانيا:
أما صحة البيع: فالبيع صحيح؛ لأن ما ذكرت لا يدخل تحت الإكراه، ولأن اشتراط عقد في عقد- على وجه لا يؤدي للربا- يصح على الراجح، وهو مذهب المالكية، خلافا للجمهور، والبائع هنا يبيع اللبن بشرط شراء الزبادي.
قال ابن قدامة رحمه الله: " أن يشترط عقدا في عقد، نحو أن يبيعه شيئا بشرط أن يبيعه شيئا آخر، أو يشتري منه، أو يؤجره، أو يزوجه، أو يسلفه، أو يصرف له الثمن، أو غيره؛ فهذا شرط فاسد، يفسد به البيع، سواء اشترطه البائع أو المشتري" انتهى من "المغني" (4/ 309).
وفي "الموسوعة الفقهية" (9/ 271): " أن يشترط في البيع بيعا آخر، ويحدد المبيع والثمن، كأن يقول: بعتك داري هذه بألف على أن تبيعني دارك بألف وخمسمائة، أو على أن تشتري مني داري الأخرى بألف وخمسمائة.
وقد صرح الحنفية والشافعية والحنابلة بأن هذا من البيعتين في بيعة، المنهي عنه.
وهو عند الحنفية والشافعية أيضا: من باب البيع والشرط المنهي عنه في السنة النبوية" انتهى.
وذهب المالكية وأحمد في رواية إلى جواز ذلك، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وكثير من المعاصرين، وأجابوا عن حديث النهي عن بيعتين في بيعة: بأن المراد به بيع العينة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فالقول الصحيح أنه إذا شرط عقدا في البيع، فإن الشرط صحيح، والبيع صحيح؛ إلا في مسألتين ...
الأولى: إذا شرط قرضا ينتفع به، فهنا لا يحل؛ لأنه قرض جر نفعا فيكون ربا.
الثانية: أن يكون حيلة على الربا " انتهى مختصرا من "الشرح الممتع" (8/ 239).
والله أعلم.