الحمد لله.
من المعلوم أن هذه الجملة (هو ربنا قصر معاك) يذكرها المسلم على سبيل تقرير عدل الله تعالى وكرمه وإحسانه وإنعامه على خلقه.
لكن ظاهر اللفظ يتعلق به معنى فاسد؛ لأن المتعارف عليه بين الناس استعمال لفظ "التقصير" في حق الشخص الذي عليه واجبات تجاه غيره.
والله سبحانه وتعالى لا يوجب عليه أحد شيئاً، فكل ما ينعم به على عباده هو محض كرم منه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وقد اتفق العلماء على وجوب ما يجب بوعده الصادق، وتنازعوا: هل يوجب بنفسه على نفسه؟ على قولين. ومن جوز ذلك احتج بقوله سبحانه: ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ )، وبقوله في الحديث الصحيح: ( إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا )، والكلام على هذا مبسوط في موضع آخر.
وأما الإيجاب عليه سبحانه وتعالى، والتحريم بالقياس على خلقه، فهذا قول القدرية وهو قول مبتدع مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول.
وأهل السنة متفقون على أنه سبحانه خالق كل شيء ومليكه، وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن العباد لا يوجبون عليه شيئا، ولهذا كان من قال من أهل السنة بالوجوب، قال: إنه كتب على نفسه، وحرم على نفسه لا أن العبد نفسه يستحق على الله شيئا، كما يكون للمخلوق على المخلوق؛ فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير، فهو الخالق لهم، وهو المرسل إليهم الرسل، وهو الميسر لهم الإيمان، والعمل الصالح.
ومن توهم من القدرية والمعتزلة ونحوهم أنهم يستحقون عليه من جنس ما يستحقه الأجير على من استأجره؛ فهو جاهل في ذلك " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (2 / 310 – 311).
ثم إن الذي يظهر من مراد من يقولها: أن الله جل جلاله قد أنعم عليك في ماضي عمرك، ويستدل بذلك على إنعامه عليك في مستقبل أمرك؛ وهذا معنى صحيح، لا غبار عليه؛ لكن لا يوصف فعل الله ورزقه، بما يوصف به فعل البشر بالبشر؛ أنه إذا منع من يمنعه كان مقصرا، وإذا أعطى من أعطاه كان متفضلا؛ بل هذا القول غلط في حق الله؛ فلا يقاس فعل الله بفعل البشر، ولا رزقه برزق من سواه.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (378200)، ورقم: (308932).
فالحاصل؛ أن هذه العبارة وإن أراد بها صاحبها خيرا؛ إلا أن لفظها يلزم منه معنى فاسد، والمسلم عليه أن يتقى الألفاظ المشتبهة التي يختلط فيها الحق بالباطل، ومجرد سلامة النية ليست كافية.
وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" عما يقول بعض الناس من أن تصحيح الألفاظ غير مهم مع سلامة القلب؟
فأجاب بقوله: إن أراد بتصحيح الألفاظ إجراءها على اللغة العربية: فهذا صحيح؛ فإنه لا يهم - من جهة سلامة العقيدة - أن تكون الألفاظ غير جارية على اللغة العربية ما دام المعنى مفهوما وسليما.
أما إذا أراد بتصحيح الألفاظ ترك الألفاظ التي تدل على الكفر والشرك: فكلامه غير صحيح، بل تصحيحها مهم، ولا يمكن أن نقول للإنسان أطلق لسانك في قول كل شيء ما دامت النية صحيحة ، بل نقول : الكلمات مقيدة بما جاءت به الشريعة الإسلامية " انتهى من "المناهي اللفظية" (ص 3).
والله أعلم.