الحمد لله.
قيام شركة الطيران بنقل الأمتعة يدخل في باب الإجارة، وهي إجارة مشتركة، والأجير المشترك يضمن مطلقا ولو لم يحصل منه تعد أو تفريط، وهذا مذهب جمهور أهل العلم.
قال في "كشاف القناع" (4/ 33): " (ويضمن) الأجير المشترك (ما تلف بفعله، ولو بخطئه كتحريق القصّار الثوب) من دقه، أو مده ، أو عصره ، أو بسطه ، (وغلطه) أي الخياط (في تفصيله ، ودفعه إلى غير ربه) ، روي عن عمر وعلي - رضي الله عنهما - ؛ لأن عمله مضمون عليه، لكونه لا يستحق العوض إلا بالعمل" انتهى.
وينظر : "الموسوعة الفقهية" (32/ 294).
القاعدة في الضمان أن المثلي يضمن بمثله، والمتقوّم يضمن بقيمته.
والمثلي "ضابطه عند الفقهاء: كل مكيل أو موزون ليس فيه صناعة مباحة، يصح السَّلَم فيه... والصحيح أن المثلي ما كان له مثيل مطابق، أو مقارب، تقارباً كثيراً.
ويدل لهذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لزوجته التي كسرت الإناء، وأفسدت الطعام: إناء بإناء، وطعام بطعام ولم يضمنها بالقيمة.
ثم إننا نقول: الصناعة الآن تتقدم، ومن المعلوم أن الفناجيل ـ مثلاً ـ من الزجاج مصنوعة، وهي مثلية قطعاً، فمماثلة الفنجال للفنجال أشد من مماثلة صاع البر لصاع البر، وهذا أمر معلوم، والحلي ـ مثلاً ـ والأقلام، والساعات، كل هذه مثلية، وهي على حد الفقهاء ليست مثلية. فالصواب إذاً: أن المثلي ما كان له مماثل أو مقارب مقاربة تامة" انتهى من "الشرح الممتع" (10/ 120).
وعلى هذا القول : فالحقائب الآن تعد من المثليات، فيلزم شركة الطيران التعويض بحقيبة مستعملة مثل حقيبتك، أو قريبة من المثل، إن وجدت، أو دفع قيمتها إن لم توجد، ويُرجع في تقدير القيمة إلى أهل الخبرة.
قال ابن القيم رحمه الله: " الأصل الثاني: أن جميع المتلفات تضمن بالجنس بحسب الإمكان مع مراعاة القيمة ...
وإذا كانت المماثلة من كل وجه متعذرة ، حتى في المكيل والموزون ؛ فما كان أقرب إلى المماثلة فهو أولى بالصواب، ولا ريب أن الجنس إلى الجنس أقرب مماثلة من الجنس إلى القيمة؛ فهذا هو القياس وموجب النصوص، وبالله التوفيق" انتهى من "إعلام الموقعين" (2/ 20).
ولو أن شركة الطيران دفعت قيمة الحقيبة دون بحث عن المثل، فلا حرج، جريا على ما قرره الفقهاء أن هذه الحقائب ليست مثلية.
وعليه: فإذا كان قيمة الحقيبة مستعملة تساوي 300 ريال، فهذا الواجب، وإن كانت قيمتها أقل من ذلك، فقد أخطأ صديقك في طلب الزيادة، ويلزم التحلل من شركة الطيران فإن سمحت بالزيادة فلا حرج حينئذ .
وإما إذا بادرت الشركة بتقدير قيمة الحقيبة بمبلغ معين، دون تحديد من صاحبها لذلك المبلغ، وقبل صاحب الحق بذلك، وتراضيا على ذلك : فلا حرج في ذلك ، سواء كان هذا التعويض بقيمته الحقيقية أو أكثر أو أقل ، لأن الحق في ذلك للطرفين معا ، فلهما الاتفاق على ما يتراضيان عليه .
والله أعلم.