هل يجوز للأب أن يجبر أولاده على الشراء منه بسعر أعلى من السوق، وإذا لم يقبلوا يعتبرهم عاقين له، ويقول: إن الزيادة في الثمن هو لبر الوالدين ؟
الحمد لله.
يشترط لصحة البيع التراضي؛ لقوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ النساء/29 .
وروى ابن ماجه (2185) وابن حبان عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ والحديث صححه البوصيري والألباني.
قال في "كشاف القناع" (3/ 149): " (وشروط البيع سبعة أحدها: التراضي به منهما) أي: من المتبايعين ، (وهو أن يأتي به اختيارا) ، لقوله تعالى إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم [النساء: 29] ولحديث إنما البيع عن تراض رواه ابن حبان" انتهى.
فليس للأب أن يكره ابنه على الشراء منه، ولا على ثمن لا يرضاه، فذلك مبطل للبيع.
وإذا أراد الأب أن يأخذ من مال ولده، فليأخذ بغير هذه الطريقة ، إذا توفرت له شروط الأخذ .
وإنما يجوز للأب أن يأخذ من مال ولده بشروط:
1-أن يحتاج إلى ذلك.
2- ألا يضر بالولد، فلا يأخذ ما تعلقت به حاجته.
3-ألا يأخذ منه ليعطي أخاه.
والأصل في ذلك ما روى أحمد (6678)، وأبوداود (3530)، وابن ماجه (2292) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن لي مالا وولدا ، وإن والدي يجتاح مالي قال: أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ ، إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ فَكُلُوهُ هَنِيئًا وله طرق وشواهد يصح بها، وينظر: " فتح الباري " (5/ 211)،و" نصب الراية " (3/ 337).
وقيّد الجمهور ذلك بالحاجة، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَوْلَادَكُمْ هِبَةٌ اللهِ لَكُمْ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً ، وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ، فَهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لَكُمْ إِذَا احْتُجْتُمْ إِلَيْهَا رواه الحاكم (2/ 284) والبيهقي (7/ 480)، والحديث صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (2564).
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (45/ 202):
" ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوالد لا يأخذ من مال ولده شيئا إلا إذا احتاج إليه ...
وذهب الحنابلة إلى أن للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ، ويتملكه ، مع حاجة الأب إلى ما يأخذه ومع عدمها، صغيرا كان الولد أو كبيرا بشرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن ولا يضر به، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته ... " انتهى.
وعليه :
فللولد أن يمتنع من الشراء من أبيه، ومن الشراء بثمن لا يرضاه، ولا يعد ذلك عقوقا.
لكن .. ينبغي للولد أن يتلطف مع والده بقدر الإمكان ، فإن رفض الشراء ، أو إعطاء الأب شيئا من ماله ، فليكن ذلك يرفق ولين ، لا بغلظة وسوء أدب ، فإن حق الوالدين عظيم مهما أساءوا إلى ولدهما .
والله أعلم.