أعلم أنه لا يجوز بيع ما لا أملك، إلا إذا كان بطريقة بيع السلم، وأعرف شروطه، واطلعت على أكثر الفتاوى الموجوده في النت، لكن لدي إشكال، فقد قرأت في موقعكم أن الموقع الوسيط إذا كان لا يسلم البائع النقود حتى يستلم المشتري السلعة، فهنا انتفى شرط من شروط بيع السلم؛ لأن القبض لم يكن في مجلس العقد، لكن في حالتي أنا والموقع الذي أتعامل معه وأعرض فيه بضاعتي، يستلم من المشتري المال، باعتباره يملك قنوات دفع متعدده، ثم يوم الخميس يصدر فاتورة بمبالغي المستحقة، وخلال الأسبوع يتم تحويل الأموال إلى حسابات البائعين، يعني الموقع يحول لي أموالي خلال أسبوع، ولا يهمه استلم المشتري البضاعة أو لا، إنما تأخير تحويل الأموال عملية تنظيمية لكثرة البائعين المشتركين في الموقع، ومن حين طلب الزبون، اشتري للزبون طلبه من موقع آخر بأموالي أنا، قبل أن يصلني المبلغ الذي دفعه. هل في هذه الحالة ينتفي شرط قبض الثمن في مجلس العقد؟ وهل يشترط في بيع السلم أن يعلم المشتري أني أصلا لا أملك البضاعة؟ وهل يحق لي في بيع السلم أن أسمح للمشتري إذا لم تعجبه البضاعة أن يردها، ويستلم نقوده؛ لأن القوانين الآن تنص على أن من حق المشتري أن يرجع البضاعة خلال مدة معينة حتى ولو لم يكن بها عيب؟
الحمد لله.
أولا:
السلم: بيع موصوف في الذمة، بثمن معجل في مجلس العقد.
قال في "هداية الراغب"، ص 338: " وَالسَّلَمُ شَرْعًا: عَقْدٌ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي ذِمَّةٍ، مُؤَجَّلٌ، بِثَمَنٍ مَقْبُوضٍ بِمَجْلِسِ عَقْدٍ" انتهى.
ويشترط لصحته عند الجمهور: تسليم رأس المال في مجلس العقد، وقد استنبطه الشافعي من قوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ رواه البخاري (2240)، ومسلم (1604).
فقوله: (فَلْيُسْلِفْ) : يعني تقديم رأس المال كاملا في مجلس العقد.
ولئلا يكون من بيع الكالئ بالكالئ؛ أي الدين بالدين، فإن السلعة غير حاضرة؛ فلا يصح ألا يكون الثمن حاضرا، أيضا؛ فيكون الثمن، والمُثمَن دينين، غير حاضرين في مجلس العقد.
وخالف في ذلك المالكية ؛ فأجازوا تأخير رأس المال يومين أو ثلاثة؛ لأن ذلك يسير، ولأن ما قارب الشيء أخذ حكمه.
قال ابن القطان في "مسائل الإجماع" (2/239): " وأجمعوا أن المسلِم والمسلَم إليه: إذا افترقا قبل قبض رأس (المال) - على شرط كان في عقدة السلم، أو على غير شرط - بطل السلم بينهما، إلا مالكًا فإنه قال: إن كان ذلك على غير شرط، وتقابضا بعد اليوم واليومين: فلا بأس به" انتهى.
وفي "الموسوعة الفقهية" (1/207):
"الحنفية والشافعية والحنابلة: على أنه يشترط تسليم رأس مال السلم في مجلس العقد، إذ لو تأخر، لكان في معنى بيع الكالئ بالكالئ.
ولخبر الصحيحين: من أسلف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم.
ولأن السلم عقد غرر، فلا يُضم إليه غرر آخر.
ولأن السلم مشتق من استلام رأس المال، أي تعجيله، وأسماء العقود المشتقة من المعاني، لا بد فيها من تحقق تلك المعاني...
وقال المالكية بتأخيره ثلاثة أيام؛ لأن ما قارب الشيء يأخذ حكمه، وإذا أخره عن ثلاثة أيام بغير شرط، وهو نقد: ففيه تردد؛ منهم من يقول بالفساد؛ لأنه ضارع الدين بالدين، ومنهم من يقول بالصحة؛ لأنه تأخير بغير شرط.
وهذا ما لم تبلغ الزيادة إلى حلول المسلم فيه، فإن أخره إلى حلول أجل السلم الذي وقع عليه العقد؛ فإنه لا يُختلف في فساده" انتهى.
وعلى مذهب الجمهور: إذا سلم بعض الثمن وأخر باقيه، بطل السلم فيما لم يُقبَض، ويسقط بحصته من المسلم فيه, ويصح في الباقي بقسطه.
ثانيا:
الموقع الوسيط: إن كان وكيلا في البيع فقط، فإن قبضه للثمن غير معتبر.
وإن كان وكيلا في البيع، وقبض الثمن: فقبضه معتبر، وبه تخرج من الإشكال.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (32/267): "ولاية الوكيل بالبيع في قبض الثمن وإقباض المبيع:
اختلف الفقهاء في ولاية الوكيل بالبيع في أن يقبض الثمن من المشتري، ويسلم المبيع إليه، على أربعة أقوال:
(أحدها) للحنفية: وهو أن للوكيل بالبيع أن يقبض الثمن ويسلم المبيع للمشتري، لأن في الوكالة بالبيع إذنا بالقبض، والإقباضُ دلالة.
(والثاني) للمالكية: وهو أن للوكيل بالبيع أن يقبض الثمن، ويسلم المبيع؛ ما لم يكن هناك عرف بأن الوكيل بالبيع لا يفعل ذلك.
(والثالث) للشافعية في الأصح عندهم: وهو أنه إذا كان القبض شرطا لصحة العقد، كالصرف والسلم، فللوكيل عندئذ ولاية القبض والإقباض، أما إذا لم يكن شرطا، كما في البيع المطلق، فيملك الوكيل بالبيع قبض الثمن الحال، وتسليم المبيع بعده، إن لم يمنعه الموكل من ذلك، لأن ذلك من حقوق العقد ومقتضياته، فكان الإذن في البيع، إذنا فيه دلالة.
فإن نهاه الموكل عن قبض الثمن، أو تسليم المبيع، أو كان الثمن مؤجلا، فليس للوكيل شيء من ذلك.
(والرابع) للحنابلة: وهو أن للوكيل بالبيع تسليم المبيع، لأن إطلاق الوكالة بالبيع يقتضي التسليم، لكونه من تمامه، بخلاف قبض الثمن، فليس للوكيل أن يقبضه، لأن البائع قد يوكل بالبيع من لا يأتمنه على الثمن" انتهى.
فإن وكلت الوسيط في إجراء العقد واستلام الثمن كاملا، صح السلم، ولا يضرك تأخر الوكيل في تحويل المال لك، بشرط أن يكون المال عنده في هذه المدة، على ملكك أنت، وفي ضمانك، وإنما هو أمانة لديه.
ثالثا:
لا يشترط في السلم أن يعلم المشتري أنك تملك السلعة، أو لا تملكها.
روى البخاري (2254) عنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ، قَالَ: " أَرْسَلَنِي أَبُو بُرْدَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، فَسَأَلْتُهُمَا عَنِ السَّلَفِ، فَقَالاَ: كُنَّا نُصِيبُ المَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّأْمِ، فَنُسْلِفُهُمْ فِي الحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّبِيبِ، إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى.
قَالَ: قُلْتُ أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَرْعٌ؟
قَالاَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ".
رابعا:
أما هل يجوز لك السماح للمشتري بإرجاع السلعة ولو كان وصفها مطابقا وخالية من العيب؟
فيقال: بأن الأصل في البيع اللزوم بعد الافتراق من مجلس العقد إلا إذا كان هناك شرط بينكما بإمكانية رد السلعة في مدة زمنية معينة وهو ما يسمى في الفقه الإسلامي بخيار الشرط فإنه يلزم العمل به.
وكذلك يستحب قبول رد السلعة وإرجاع الثمن ولو دون شرط، من باب الإقالة، لما روى أبو داود (3460) وابن ماجه (2199) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا ، أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وعليه: فيحق لك السماح للمشتري برد السلعة إذا لم تعجبه ولو لم يكن بها عيب.
والله أعلم.