جاء في كلام السلف أن شهر رجب هو شهر البذر أو الغراس، سؤالي هو ماذا يزرع المسلم؟
الحمد لله.
شهر رجب هو أحد الأشهر الحرم التي قال الله تعالى فيها : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ التوبة/36 ، والأشهر الحرم هي : رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم .
وروى البخاري (4662)، ومسلم (1679) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ، ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ : ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ .
وقد سميت هذه الأشهر حرمًا لأمرين :
1- لتحريم القتال فيها إلا أن يبدأ العدو .
2- لأن انتهاك المحارم فيها ، أشد منه في غيرها .
ولهذا نهانا الله تعالى عن ارتكاب المعاصي في هذه الأشهر فقال : فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ التوبة/36 ، مع أن ارتكاب المعصية محرم ومنهي عنه في هذه الأشهر وغيرها ، إلا أنه في هذه الأشهر أشد تحريمًا .
قال السعدي في "تفسيره" (373) :
" ( فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ) يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثني عشر شهرا ، وأن اللّه تعالى بَيَّن أنه جعلها مقادير للعباد ، وأن تعمر بطاعته ، ويشكر اللّه تعالى على مِنَّتِهِ بها ، وتقييضها لمصالح العباد ، فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها .
ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحرم ، وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها خصوصًا ، مع النهي عن الظلم كل وقت ، لزيادة تحريمها ، وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها " انتهى .
انظر الجواب رقم : (75394) .
وانظر للمزيد مقال شهر رجب.
يشبه العلماء السنة ، وما فيها من مواسم الخير بأمور ، وأعظم ما في مواسم الخير شهر "رمضان" ، ولذلك حث الشرع على الزيادة من العمل الصالح فيه .
ومن أهم الأمور ؛ أن يستعد الإنسان بالأعمال الصالحة قبل شهر رمضان ، وجعل العلماء شهر "رجب" بداية الاستعداد الخاص لشهر رمضان ، كأن السنة شجرة ، تظهر أوراقها في شهر رجب ، وتثمر في شهر شعبان ، ويأخذ الناس من ثمارها في شهر رمضان .
فعلى الإنسان أن يستعد بالأعمال الصالحة في رجب ، وأن يتعاهدها بالتجويد والإتقان في شعبان ، لكي يستطيع الإتيان بها على أكمل الوجوه في رمضان .
وتعددت عبارات العلماء في التعبير عن هذا المعنى ، ومن تلك العبارات :
"قيل: رجب لترك الجفاء، وشعبان للعمل والوفاء، ورمضان للصدق والصفاء.
رجب شهر التوبة، شعبان شهر المحبة، رمضان شهر القربة.
رجب شهر الحرمة، شعبان شهر الخدمة، رمضان شهر النعمة.
رجب شهر العبادة، شعبان شهر الزهادة، رمضان شهر الزيادة.
رجب شهر يضاعف الله فيه الحسنات، شعبان شهر تكفر فيه السيئات، رمضان شهر تنتظر فيه الكرامات.
رجب شهر السابقين، شعبان شهر المقتصدين، رمضان شهر العاصين.
وقال ذو النون المصري - رحمه الله - : رجب لترك الآفات، وشعبان لاستعمال الطاعات، ورمضان لانتظار الكرامات، فمن لم يترك الآفات، ولم يستعمل الطاعات، ولم ينتظر الكرامات، فهو من أهل الترهات.
وقال أيضًا - رحمه الله -: رجب شهر الزرع، وشعبان شهر السقي، ورمضان شهر الحصاد، وكل يحصد ما زرع، ويُجزى ما صنع، ومن ضيع الزراعة ندم يوم حصاده، وأخلف ظنه مع سوء معاده.
وقال بعض الصالحين: السنة شجرة، رجب أيام إيراقها، وشعبان أيام إثمارها، ورمضان أيام قطافها"، انتهى من "الغنية" للجيلاني : (1/ 326).
قال "ابن رجب" في "لطائف المعارف" (121) : " شهر رجب مفتاح أشهر الخير والبركة .
قال أبو بكر الوراق البلخي: شهر رجب شهر للزرع ، وشعبان شهر السقي للزرع ، ورمضان شهر حصاد الزرع .
وعنه قال: مثل شهر رجب مثل الريح ، ومثل شعبان مثل الغيم ، ومثل رمضان مثل القطر .
وقال بعضهم: السنة مثل الشجرة ، وشهر رجب أيام توريقها ، وشعبان أيام تفريعها ، ورمضان أيام قطفها ، والمؤمنون قطافها .
جدير بمن سود صحيفته بالذنوب ، أن يبيضها بالتوبة في هذا الشهر ، وبمن ضيع عمره في البطالة ، أن يغتنم فيه ما بقي من العمر.
بيض صحيفتك السوداء في رجب ... بصالح العمل المنجي من اللهب
شهر حرام أتي من أشهر حرم ... إذا دعا الله داع فيه لم يخب
طوبى لعبد زكا، فيهِ لهُ عمل ... فكف فيه عن الفحشاء والريب
انتهاز الفرصة بالعمل في هذا الشهر غنيمة ، واغتنام أوقاته بالطاعات له فضيلة عظيمة "، انتهى.
فعلى الإنسان أن يكثر من زرع الخيرات ، والأعمال الصالحة ، فهذا زرعه الذي يزرعه في أيام عمره، راجيا يوم الحصاد، إذا لقي رب العالمين بزرع الخير.
ومن أهمها ما يفعله الإنسان في رمضان من :
1- الصلاة فرضًا ، ونفلًا ، وبخاصة : قيام الليل .
2- الصيام .
3- الصدقة .
4- تلاوة القرآن .
5- الذكر .
قال "الذهبي" : " فوالله إن ترتيل سبع القرآن في تهجد قيام الليل ، مع المحافظة على النوافل الراتبة، والضحى، وتحية المسجد، مع الأذكار المأثورة الثابتة، والقول عند النوم واليقظة، ودبر المكتوبة والسحر، مع النظر في العلم النافع والاشتغال به مخلصا لله، مع الأمر بالمعروف، وإرشاد الجاهل وتفهيمه، وزجر الفاسق، ونحو ذلك، مع أداء الفرائض في جماعة بخشوع وطمأنينة وانكسار وإيمان، مع أداء الواجب، واجتناب الكبائر، وكثرة الدعاء والاستغفار، والصدقة وصلة الرحم، والتواضع، والإخلاص في جميع ذلك لشغل عظيم جسيم، ولمقام أصحاب اليمين ، وأولياء الله المتقين"، "سير أعلام النبلاء" (3/ 84).
وانظر لمزيد من الأعمال الصالحة : (26242)، (21374)، (174947).
والله أعلم.