حكم إخراج الجنين من بطن أمه بعد أربعة أشهر ووضعه في أنبوب خوفا على حياته

12-12-2021

السؤال 332770

أحد الأخوة زوجته مريضة بالرحم بمرض الألياف، وكلما حملت تجهض، فعرضوا عليها إخراج الجنين بعد أربعة أشهر ووضعه في مكان خاص مثل الأنابيب لبقية المدة، فهل في ذلك رخصة شرعية؟

الجواب

الحمد لله.

لا حرج في إجراء عملية جراحية لإخراج الجنين من بطن أمه بعد مضي أربعة أشهر أو قبلها، ووضعه في أنبوب خاص إلى تمام تكوينه واستغنائه عن الأنبوب، حفظا لحياة الجنين، إذا خشي عليه الموت ببقائه في بطن أمه، وهذا داخل في عموم قوله تعالى: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًاالمائدة/32.

ولا حرج في شق بطن الأم لذلك؛ لأن مفسدة شق بطنها، أهون من مفسدة إهلاك الولد، والقاعدة الشرعية أنه: "إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفهما".

قال العز ابن عبد السلام رحمه الله: " وكذلك شق جوف المرأة على الجنين المرجو حياته، لأن حفظ حياته أعظم مصلحة من مفسدة انتهاك حرمة أمه" انتهى من "قواعد الأحكام" (1/102).

وقال الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي في "أحكام الجراحة الطبية" ص 154 - 158: " جراحة الولادة: وهي الجراحة التي يقصد منها إخراج الجنين من بطن أمه، سواء كان ذلك بعد اكتمال خلقه، أو قبله.

ولا تخلو الحاجة الداعية إلى فعلها من حالتين:

الحالة الأولى:

أن تكون ضرورية، وهي الحالة التي يخشى فيها على حياة الأم، أو جنينها، أو هما معًا، ومن أمثلتها ما يلي:

(1) جراحة الحمل المنتبذ.

(2) جراحة استخراج الجنين الحي بعد وفاة أمه.

(3) الجراحة القيصرية في حال التمزق الرحمي.

فهذه الحالات تعتبر فيها جراحة الولادة ضرورية، لأن المقصود منها إنقاذ حياة الأم، أو الجنين، أو هما معاً.

ففي المثال الأول: يتكون الجنين خارج الرحم في قناة المبيض، ويسمى بالحمل المهاجر، أو القَنَويّ، وهذا الموضع الذي تكون فيه الجنين يستحيل بقاؤه فيه حيًا، وغالبًا ما ينفجر في القناة التي بداخلها، وحينئذ تصبح حياة الأم مهددة بالخطر، فيرى الأطباء ضرورة إجراء الجراحة، واستخراجه قبل انفجاره، وذلك كله إنقاذًا لحياة الأم .

وفي المثال الثاني: تموت الأم بعد اكتمال خلق الجنين، وحياته، فيضطر الأطباء إلى شق بطنها لاستخراج ذلك الجنين قبل موته.

وهذه الصورة ليست بحديثة، بل هي صورة كانت موجودة من القدم، وهي محل خلاف بين أهل العلم -رحمهم الله- سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في مباحث العمل الجراحي، وأنه لا حرج في فعل هذا النوع من الجراحة إنقاذًا لحياة الجنين.

وفي المثال الثالث: يتعرض الرحم إلى التمزق الذي يهدد حياة الأم وجنينها، وذلك بعد اكتمال خلقه، فيضطر الأطباء إلى إجراء الجراحة واستخراج الجنين، حتى لا تتعرض الأم وجنينها للهلاك.

فهذه ثلاث صور من صور جراحة الولادة الضرورية: الأولى قُصد منها إنقاذ حياة الأم، والثانية قصد منها إنقاذ حياة الجنين، والثالثة قصد منها إنقاذ حياتهما معًا.

وهذا النوع من الجراحة يعتبر مشروعًا وجائزًا، نظرًا لما يشتمل عليه من إنقاذ النفس المحرمة الذي هو من أجلِّ ما يُتقرب به إلى الله عز وجل، وهو داخل في عموم قوله سبحانه: وَمَن أحْيَاهَا فَكَأنَّمَا أحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، ولأنه كما جاز استئصال الداء الموجب للهلاك من جسم المريض؛ كذلك يجوز استخراج الجنين إذا كان بقاؤه موجبًا لهلاك أمه، بجامع دفع الضرر في كل.

وكذلك شق بطن المرأة الحامل الميتة، من أجل إنقاذ جنينها الحي؛ فكما يجوز شق البطن للعلاج والتداوي، كذلك يجوز شقها لإنقاذ النفس المحرمة، ولأن بقاءها في البطن بدون ذلك يعتبر ضررًا محضًا، فتشرع إزالته بالجراحة اللازمة للقاعدة الشرعية التي تقول: "الضرر يزال".

قال الإمام ابن حزم -رحمه الله-: "ولو ماتت امرأة حامل، والولد حي يتحرك قد تجاوز ستة أشهر، فإنه يشق عن بطنها طولاً، ويخرج الولد، لقوله تعالى: وَمَنْ أحْيَاهَا فَكَأنمَا أحْيَا الناسَ جَمِيعًا؛ ومن تركه عمدًا حتى يموت فهو قاتل نفس" اهـ.

فاعتبر -رحمه الله- فعل هذا النوع من الجراحة فرضًا لازمًا على الطبيب، إذا امتنع من فعله عمدًا كان قاتلاً، لامتناعه من فعل السبب الموجب للنجاة مع قدرته على فعله ...

وينبغي على الأطباء أن يتقوا الله عز وجل، وأن يبذلوا كل ما في وسعهم لعلاج هذه الحالات بالوسائل التي تنتهي بسلامة الأم وجنينها، وألا يقدموا على فعل هذا النوع من الجراحة إلا إذا تعذرت تلك الوسائل، وتحققوا من أن بقاء الجنين مفض إلى هلاكه وأمه، أو غلب على ظنهم ذلك ... والله تعالى أعلم" انتهى.

والله أعلم.

الطب والتداوي
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب