ما صحة الحديث القدسي : "يا عبدي أنا معك، إن جافوك فأنا حبيبك، وإن آلموك فأنا طبيبك" ؟
الحمد لله.
أولا:
لا أصل لهذا الحديث ، ولا وجود له في كتب السنة المسندة ولا في غير المسندة .
ويبدو أنه مخترع حديثُا ؛ إذ لا وجود له في كتب الموضوعات والأحاديث الضعيفة المنتشرة على الألسنة !
فلا يجوز نشر هذا الحديث ، ولا نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا إلى رب العزة جل وعلا .
وقد قال الله تعالى : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا الأنعام/ 21 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : مَنْ كَذَبَ عَلَي مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ رواه البخاري (1291)، ومسلم (933) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ رواه مسلم في "مقدمة الصحيح" (1/7) .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (1/71) :
" يحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعا ، أو غلب على ظنه وضعه .
فمن روى حديثا علم أو ظن وضعه ، ولم يبين حال روايته ووضعه : فهو داخل في هذا الوعيد ، مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويدل عليه أيضا الحديث السابق : من حدث عنى بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين .
ولهذا قال العلماء : ينبغي لمن أراد رواية حديث أو ذكره أن ينظر ؛ فإن كان صحيحا أو حسنا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ، أو فعله ، أو نحو ذلك من صيغ الجزم . وإن كان ضعيفاً فلا يقل : قال أو فعل أو أمر أو نهى وشبه ذلك من صيغ الجزم ، بل يقول : رُوي عنه كذا ، أو جاء عنه كذا ، أو يروى أو يُذكر أو يُحكى أو يُقال أو بلغنا وما أشبهه . والله سبحانه أعلم " انتهى .
ثانيًا:
وردت أحاديث صحيحة تدل على أن الله مع عبده المؤمن ، وأنه يذكره في ملإ خير من ملئه ، منها:
ما في صحيح البخاري (7405)، ومسلم (2675) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً .
كما صحت أحاديث تدل على محبة الله تعالى لعبده المؤمن إذا تقرب إليه بالفرائض والنوافل ، منها :
ما أخرجه البخاري (6205) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ .
وقد جاء في القرآن وصحيح السنة ما يدل على أن الله تعالى هو الشافي ، ومن ذلك :
قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ الشعراء/80 .
وجاء عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنهَا أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشتَكَى مِنَّا إِنسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ : أَذهِبِ البَاسَ ، رَبَّ النَّاسِ ، وَاشفِ أَنتَ الشَّافِي ، لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا رواه البخاري (5675) ومسلم (2191) واللفظ له .
وورد غير ذلك من الأحاديث الصحيحة التي فيها كفاية وغنية عن نشر الأحاديث الموضوعة والتي لا أصل لها .
والله أعلم.