الحمد لله.
أولا:
من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه على صفته المعروفة فقد رآه حقا، فإن الشيطان لا يتمثل به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ بِي رواه البخاري (6994) رواه مسلم (2266) واللفظ لمسلم.
زاد البخاري : قال ابن سيرين إذا رآه في صورته .
وفي رواية عند أحمد ( 3400 ) : " فإن الشيطان لا يستطيع أن يتشبه بي " .
قال الحافظ ابن حجر :"وقد رويناه موصولاً من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سليمان بن حرب - وهو من شيوخ البخاري - عن حماد بن زيد عن أيوب قال : كان محمَّد - يعني : ابن سيرين - إذا قصَّ عليه رجلٌ أنَّه رأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : صِف لي الذي رأيتَه ، فإن وَصف له صفةً لا يعرفها قال : لم تره ، وسنده صحيح ، ووجدتُ له ما يؤيِّده فأخرج الحاكم من طريق عاصم بن كليب حدثني أبي قال : قلتُ لابن عباس : رأيتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، قال : صِفه لي ، قال ذكرتُ الحسن بن علي فشبَّهتُه به ، قال : قد رأيتَه ، وسنده جيد " انتهى من " فتح الباري " ( 12 / 383 ، 384 ) .
وينظر في صفته صلى الله عليه وسلم الخِلقية: جواب السؤال رقم (1512)
وعليه فتسأل هذه المرأة عن صفة من رأت، لأن الشيطان قد يأتي للإنسان في منامه ويدَّعي أنه النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاء على غير صفته الحقيقية التي خلقه الله عليها.
ثانيا:
هذه القصة عليها أمارات الكذب، والغالب أنها من اختراع أحد الدجالين، أو هي من الشيطان، إن كان ثمة امرأة رأت مناما؛ لأن فتح المصحف، والبحث عن شعرة، مما لم تأت به الشريعة، ثم وضع الشعرة في الماء، وشرب الماء، كل ذلك من فعل الدجالين والمشعوذين مما لا أصل له في شريعتنا، وربما كان مخترع القصة من غير المسلمين، يفعل ذلك استهزاء وسخرية، ليقول إن المسلمين يتعلقون بشعرة، ويشربون ماء شعرة!
وقد انتشرت هذه القصة وتداولها الناس، وهذا أمر يبعث على الأسى والحزن، ولو أن أحدًا ادعى أن علاج الوباء في فتح المصحف وقراءة أول آية تقع عليها العين مثلا، لشككنا في صحة هذا وأنكرناه، فكيف بالبحث عن شعرة، ثم شرب مائها !
وينظر في حكم أخذ الفأل من المصحف: جواب السؤال رقم (145596)
ثالثا:
علاج البلاء يكون بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى، واتخاذ الأسباب كالحجر الصحي والتداوي.
قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام/42، 43
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/ 256): "وقوله: ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء يعني: الفقر والضيق في العيش والضراء وهي الأمراض والأسقام والآلام لعلهم يتضرعون أي: يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون.
قال الله تعالى: فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا أي: فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا إلينا ولكن قست قلوبهم أي: ما رقت ولا خشعت وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون أي: من الشرك والمعاصي" انتهى.
وينبغي الإكثار من الاستغفار والتسبيح ودعوة ذي النون عليه السلام.
قال الله عز وجل: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ هود/3
وقال سبحانه: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ هود/52
وقال سبحانه : وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ الأنبياء / 87 – 88
وقال تعالى : فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ الصافات /143
وروى أحمد (1462) والترمذي (3505) عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ وصححه الألباني.
قال ابن القيم رحمه الله: "وقال ابن مسعود: ما كرب نبي من الأنبياء، إلا استغاث بالتسبيح" انتهى من الجواب الكافي، ص14
نسأل الله أن يرفع عنا البلاء والوباء.
والله أعلم.