الحمد لله.
الأصل في عقود الإجارة اللزوم، ومنها عقد الدراسة في المدارس والرياض الخاصة بمقابل، فإن هذا عقد إجارة، وهو لازم لا يفسخ إلا برضى الطرفين، لكن إن تعذر استيفاء المنفعة جاز الفسخ.
فإذا توقفت الدراسة بسبب الوباء والحظر، جاز لولي أمر الطالب الفسخ، ويترتب على ذلك ألا تستحق المدرسة أجرة بعد تاريخ الفسخ، وترد المال إن كانت قد أخذته مقدما.
وهذا الفسخ يسمى عند الفقهاء الفسخ للأعذار الطارئة.
جاء في معيار الإجارة: "يجوز فسخ عقد الإجارة باتفاق الطرفين، ولا يحق لأحدهما فسخها إلا بالعذر الطارئ، كما يحق للمستأجر الفسخ بسبب العيب الحادث في العين المخل بالانتفاع" انتهى من "المعايير الشرعية"، ص 141
وفي "الموسوعة الفقهية" (1/ 271): " فسخ الإجارة للعذر:
الحنفية، كما سبق، يرون جواز فسخ الإجارة لحدوث عذر بأحد العاقدين، أو بالمستأجَر (بفتح الجيم) ولا يبقى العقد لازما ويصح الفسخ؛ إذ الحاجة تدعو إليه عند العذر؛ لأنه لو لزم العقد حينئذ، للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد؛ فكان الفسخ في الحقيقة امتناعا من التزام الضرر، وله ولاية ذلك.
وقالوا: إن إنكار الفسخ عند تحقق العذر خروج عن الشرع والعقل؛ لأنه يقتضي أن من اشتكى ضرسه، فاستأجر رجلا ليقلعها، فسكن الوجع، يجبر على القلع. وهذا قبيح شرعا وعقلا.
ويقرب منهم المالكية في أصل جواز الفسخ بالعذر، لا فيما توسع فيه الحنفية، إذ قالوا: لو كان العذر بغصب العين المستأجرة أو منفعتها أو أمر ظالم لا تناله الأحكام بإغلاق الحوانيت المكتراة، أو حمل ظئر - لأن لبن الحامل يضر الرضيع - أو مرضها الذي لا تقدر معه على رضاع، حق للمستأجر الفسخ أو البقاء على الإجارة" انتهى.
والفسخ يقتضي إخراج الطفل من المدرسة أو الروضة، وهذا قد يكون مضرا له، وربما لم يتوفر له مكان آخر.
وينبغي أن يراعى أن المدرسة قد تستمر في تقديم بعض الخدمات كالشرح عن بُعد، وقد تلزم بدفع رواتب موظفيها، وبإيجار المكان إن كان مستأجرا، وغير ذلك.
ولهذا؛ فإن العدل أن لا يفسخ الطالب العقد، ولكن يُنقص من الأجرة (الأقساط المدرسية) بقدر نقص المنفعة، فإن نقص نصف المنفعة مثلا، نقصت الأجرة بقدر النصف، وهكذا.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : عَمَّنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَلَمْ يَأْتِهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ فَتَلِفَ الزَّرْعُ. هَلْ تُوضَعُ الْجَائِحَةُ؟
فَأَجَابَ:
"أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزَّرْعِ، فَلَمْ يَأْتِ الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ: فَلَهُ الْفَسْخُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ بَلْ إنْ تَعَطَّلَتْ، بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بِلَا فَسْخٍ فِي الْأَظْهَرِ.
وَأَمَّا إذَا نَقَصَتْ الْمَنْفَعَةُ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَتْ الْمَنْفَعَةُ ، نَصَّ عَلَى هَذَا أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ. فَيُقَالُ: كَمْ أُجْرَةُ الْأَرْضِ مَعَ حُصُولِ الْمَاءِ الْمُعْتَادِ؟ فَيُقَالُ: أَلْفُ دِرْهَمٍ. وَيُقَالُ : كَمْ أُجْرَتُهَا مَعَ نَقْصِ الْمَطَرِ هَذَا النَّقْصُ؟ فَيُقَالُ: خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. فَيَحُطُّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ نِصْفَ الْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ .
فَإِن تَلِفَ بَعْضُ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْعَقْدِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَائِهَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَبِيع قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ قَبْضِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَ الْأَرْضَ جَرَادٌ أَوْ نَارٌ أَوْ جَائِحَةٌ أَتْلَفَ بَعْضَ الزَّرْعِ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ" انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/257).
وأما أن تأخذ المدرسة الأجرة كاملة، مع نقص المنفعة، ونقص ما كانت تتكلفه المدرسة في العملية التعليمية، كما هو معلوم: فهذا من أكل المال بالباطل.
والله أعلم.