ما حكم أن تصوم الزوجة صيام نافلة دون علم الزوج، مع العلم أنه هو أيضا صائم للنافلة، فهل تكون العلة انتفت بصيامه؟ أم يلزمها استئذانه؟
الحمد لله.
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى المرأة عن صوم التطوع وزوجها مقيم عندها إلا بإذنه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ رواه البخاري (5195)، ومسلم (1026).
والعلة في هذا النهي، هو أن تطوعها بالصوم بغير إذن الزوج يفوت عليه حقه من الاستمتاع بها إن أراد ذلك.
قال النووي رحمه الله تعالى:
"وقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَصُمِ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ)... وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام وحقه فيه واجب على الفور؛ فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي. فإن قيل: فينبغي أن يجوز لها الصوم بغير إذنه فإن أراد الاستمتاع بها كان له ذلك ويفسد صومها؟ فالجواب: أن صومها يمنعه من الاستمتاع في العادة؛ لأنه يهاب انتهاك الصوم بالإفساد." انتهى من"شرح صحيح مسلم" (7 / 115).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
"لأن حق الزوج عليها واجب، والنفل تطوع لا تأثم بتركه، وحق الزوج تأثم بتركه، وذلك أن الزوج ربما يحتاج إلى أن يستمتع بها، فإذا كانت صائمة وأراد الاستمتاع بها، صار في نفسه حرج." انتهى من "شرح رياض الصالحين" (3 / 146).
ولهذا قيّد النهي بحضور الزوج في بيت زوجته، وعدم غيابه عنها.
قال النووي رحمه الله تعالى:
"وقوله صلى الله عليه وسلم (وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ)، أي: مقيم في البلد، أما إذا كان مسافرا فلها الصوم، لأنه لا يتأتى منه الاستمتاع إذا لم تكن معه." انتهى من "شرح صحيح مسلم" (7 / 115).
فإذا كان تعذر استمتاع الزوج بزوجته بسبب الغياب يبيح تطوعها بالصيام من غير استئذان، فكذلك إذا تعذر الاستمتاع بسبب غير السفر، كمرضه أو صيامه؛ فإنه يبيح للزوجة أيضا التطوع بالصيام من غير استئذان.
قال العراقي رحمه الله تعالى:
"في معنى غيبته: أن يكون مريضا لا يمكنه الاستمتاع بزوجته، فلها حينئذ الصوم من غير إذنه فيما يظهر." انتهى من "طرح التثريب" (4 / 141).
وقال زين الدين الحنفي الرازي في كتابه "تحفة الملوك" (ص150) في فقه مذهب أبي حنيفة رحمه الله:
"ولا تصوم المرأة تطوعا بغير إذن زوجها؛ إلا أن يكون صائما، أو مريضا." انتهى.
قال بدر الدين العيني رحمه الله تعالى في شرحه:
" قوله: "ولا تصوم المرأة تطوعاً بغير إذن زوجها." لقوله عليه السلام: (لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ، إِلَّا بِإِذْنِهِ غَيْرَ رَمَضَانَ) رواه أبو داود.
قوله: "إلا أن يكون صائماً" أي إلا أن يكون الزوج صائما أو مريضا، فحينئذ تتطوع المرأة بغير إذنه، لأن النهي لحاجة الزوج، ولا حاجة في تلك الصورتين." انتهى من"منحة السلوك شرح تحفة الملوك" (ص 280).
والخلاصة:
أنه لا حرج على الزوجة أن تصوم النافلة بغير إذن زوجها إذا كان هو صائما.
وللفائدة ينظر جواب سؤال: هل تصوم نافلة مع منع زوجها الناشز لها؟
والله أعلم.