ما حكم لمس الهاتف بنجاسة أو قذر ويظهر عليه شيء ديني كالمصحف، فقد سمعت شيخا يقول: إن الشاشة حائل.؟ وما حكم استخدام السماعات التي عليها قذر أو نجاسة والسماع بها أشياء دينية؟
الحمد لله.
أولا:
قد ذكر العلماء رحمهم الله أنه يحرم مس المصحف بالنجاسة، كما قال النووي رحمه الله:
"إذا كان في موضع من بدن المتطهر نجاسة غير معفو عنها حرم عليه مس المصحف بموضع النجاسة بلا خلاف، ولا يحرم بغيره على المذهب الصحيح المشهور الذي قاله جماهير أصحابنا وغيرهم من العلماء. وقال أبو القاسم الصيمري من أصحابنا: يحرم. وغلطه أصحابنا في هذا. قال القاضي أبو الطيب: هذا الذي قاله مردود بالإجماع.
ثم على المشهور قال بعض أصحابنا: إنه مكروه، والمختار أنه ليس بمكروه." انتهى من "التبيان" ص (195).
وقد سبق في جواب سؤال: (هل تشترط الطهارة لقراءة القرآن من الجوال؟) أن صفحات القرآن التي تظهر على شاشة الجوال، لا تأخذ حكم المصحف؛ لأن كتابة القرآن في الجوال ليس ككتابته في المصاحف، فهي ذبذبات تعرض ثم تزول وليست حروفا ثابتة، فمن مس شاشة الجوال وقد عرض عليها المصحف، لا يقال إنه مس المصحف، ولا يترتب على ما فعله ما يترتب على مس المصحف من لزوم الطهارة.
لكن الذي يظهر هو التفريق بين مسألة اشتراط الطهارة، أو دخول الخلاء، ومسألة مسه بالنجاسة، فنقول:
إنه حال ظهور القرآن على الشاشة لا يجوز أن يوضع عليها نجس أو قذر، أو تمس بنجس أو قذر؛ لما في ذلك من منافاة التعظيم، فكيف يرى الإنسان آيات القرآن ظاهرة أمامه، وفي يده نجاسة، أو قذر؛ فيتعمد مس الشاشة حينئذ؟
على أنه من المعلوم أن مسألة المصاحف الإلكترونية المحملة على الأجهزة الحديثة: هل لها حكم المصحف، أو ليس لها: هي من مسائل النوازل، والخلاف فيها معتبر، وعليه؛ فيتأكد المنع من مس المصحف الإلكتروني، بشيء نجس، أو متنجس، لما سبق ذكره، ومراعاة للخلاف المعتبر فيها، مع أن ذلك مما لا تدعو الحاجة إليه؛ وإن دعت، فذلك نادر، لا حكم له.
ثانيا:
لا بأس بسماع القرآن الكريم أو الدروس الدينية بسماعة عليها شيء من النجاسة أو القذر، لأن هذه النجاسة لا تتعدى إلى الشيء المسموع، لأنه إنما هو ذبذبات في الهواء وليس شيئا مكتوبا يتلوث بالنجاسة.
وقد ذكر العلماء قريبا من هذه المسألة.
قال النووي رحمه الله: "وأما إذا كان فمه نجسا بدم أو غيره، فإنه يكره له قراءة القرآن قبل غسله. وهل يحرم؟ قال الروياني من أصحاب الشافعي عن والده: يحتمل وجهين، والأصح: لا يحرم." انتهى من "التبيان" (ص73).
فإذا كان هذا في نجاسة الفم، فنجاسة السماعة أهون.
ثالثا:
هذا إنما هو فيمن لم يقصد الاستخفاف بالقرآن ولا إهانته، فإذا قصد شيئا من ذلك، صار الفعل محرما تحريما شديدا، بل يصل بصاحبه إلى الكفر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"فمن اعتقد الوحدانية في الألوهية لله سبحانه وتعالى، والرسالة لعبده ورسوله، ثم لم يتبع هذا الاعتقاد موجبه من الإجلال والإكرام، والذي هو حال في القلب يظهر أثره على الجوارح، بل قارنه الاستخفاف والتسفيه والازدراء بالقول أو بالفعل كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه، وكان ذلك موجبا لفساد ذلك الاعتقاد، ومزيلا لما فيه من المنفعة والصلاح، إذ الاعتقادات الإيمانية تزكي النفوس وتصلحها، فمتى لم توجب زكاة النفس ولا صلاحا؛ فما ذاك إلا لأنها لم ترسخ في القلب." انتهى من"الصارم المسلول" (3 / 700).
والله أعلم
لمزيد الفائدة ينظر جواب سؤال: (الدخول بالجوالات التي فيها القرآن إلى الخلاء).