نذرت أن أمنع نفسي عن فعل معصية بصيام ثلاثة أيام، وفعلت تلك المعصية، فما الحكم المترتب علي في المذهب المالكي؟ وهل وفاء النذر بالصيام الذي ألزمته على نفسي، أم بكفارة اليمين؟
الحمد لله.
إن كان الناذر التزم بهذا النذر لأجل إلزام نفسه بالابتعاد عن المعصية، فهذا النوع من النذر يسميه الفقهاء بـ "نذر اللجاج".
قال أبو عبد الله الخرشي رحمه الله تعالى:
" واللجاج: أن يقصد منع نفسه من شيء، ومعاقبتها بإلزامها النذر، كقوله: "لله علي نذر إن كلمت فلانا"، ونحو ذلك مما يقصد به غيظ نفسه، والتشديد عليها " انتهى من"شرح مختصر خليل" (3/92).
وقد اختلفت أقوال المالكية، فمنهم من يرى وجوب الالتزام بالوفاء بالنذر، وهذا هو المشهور عند علمائهم، عملا بعموم حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ رواه البخاري (6696).
قال خليل بن إسحاق رحمه الله تعالى:
" وَنَذْرُ الطَّاعَةِ، وَإِنْ كُرِهَ: لازِمٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ اللِّجَاجِ ... هو المعروف " (3/363).
وذهب بعض شيوخ المالكية إلى أنه يكفي فيه كفارة يمين، عملا بحديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا النَّذْرُ يَمِينٌ، كَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ رواه أحمد (28/575)، ورواه مسلم (1645) بلفظ : كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ.
قال أبو عبد الله المواق رحمه الله تعالى:
" وقال ابن بشير: قد قدمنا أن التزام كل الطاعات يلزم عندنا، كان على وجه الرضا أو على سبيل اللجاج. وهذا هو المشهور.
وقد حكى الأشياخ أنهم وقفوا على قولة لابن القاسم: أنه ما كان من هذا القبيل على سبيل اللجاج والحرج، يكفي فيه كفارة يمين، وهذا هو أحد أقوال الشافعي. وكان من لقيناه من الشيوخ يميل إلى هذا المذهب ويعدونه نذرا في معصية، فلا يلزمه الوفاء انتهى.
وقد تقدم في الصيام من هذا المعنى عن شيخ الشيوخ ابن لب، وأن كفارة ذلك كفارة يمين، ورشحه ابن عبد البر قائلا: الحالف بالطاعة عند اللجاج والغضب: عن قصد العبادة بمعزل... " انتهى من "التاج والإكليل"(4 /489–490).
والحاصل؛ أنك إذا صمت ما نذرته فهو يكفيك، حتى على قول من يقول بالكفارة كما هو مفهوم من القول السابق، وذلك من تعبيرهم بـ "يكفي" و"لايلزمه".
وقال المواق أيضا:
" قال البُرزلي: ومثل ذلك ما في أول كتاب العتق من ابن يونس: إن قمتُ بجائحة فعلي للمرضى كذا؛ أنه يستحب له الوفاء بذلك، ولا يحكم به عليه، وللمازري ما ذكرته من أن الحالف بالمشي يكفر كفارة يمين، لا يناقض المشهور؛ بل يبقى مطلوبا بالمشي إذا وجد سبيلا.
وعبارة اللخمي: إن أحب أن يكفر حتى يجد للمشي سبيلا كان حسنا. ونحوه للسيوري . وللمازري أيضا: الرجل والمرأة كلاهما إذا حنث بصوم العام، يؤمر بذلك ولا يجبر، من أجل أن اليمين بذلك لم تخرج بقصد النذر فتمضي بحكم الأوامر الواردة " انتهى من "التاج والإكليل"(4 /490).
والله أعلم.