أردت أن أسألكم عن صحة هذا الأثر في موضوع فتح طبرستان، وإن كان صحيحا أليس هذا الفعل - قتل الناس بعد إعطائهم الأمان - يعتبر خيانة للأمانة؟ ففي أحد المقالات: "في عام 30 للهجرة، خرج سعيد بن العاص من الكوفة متجهاً الى طبرستان ليغزوها، ومعه مجموعة من الصحابة، بالإضافة الى الحسن، والحسين، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، حاصر سعيد بن العاص وجيشه المدينة، فسألوه الأمان، فأعطاهم على ألا يقتل منهم رجلاً واحداً، ففتحوا الحصن، فقتلهم جميعاً، أي أن الجيش قام بقتل الرجال جميعاً، وسبي نساءهم، واستعباد أطفالهم، والاستيلاء على أرضهم، ونهب وسلب أموالهم، وكان من ضمن هذا الجيش الحسن والحسين، سيدا شباب أهل الجنة، وسبطا الرسول، وابن عباس حبر الأمة الإسلامية، وعبد الله أحد أبناء عمر بن الخطاب الفاروق والخليفة العادل، وعبد الله أحد أبناء الزبير بن العوام، حواري النبي وأحد المبشرين بالجنة، وصحابة آخرون، بالإضافة إلى أن الحاكم في ذلك الوقت كان أحد الخلفاء الراشدين، وأحد الصحابة المقربين، والمبشرين بالجنة وذو النورين، وهو عثمان بن عفان" المصدر: تاريخ الطبري (4/ 269)، و"المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي (5/7).
الحمد لله.
ما ذكر في السؤال: رواه الطبري في "التاريخ" (4 / 269)؛ عن عمر بن شَبّة، قال: حدّثني عليّ بن محمد، عن عليّ بن مجاهد، عن حنَش بن مالك، قال:
"غزا سعيد بن العاص من الكوفة سنة ثلاثين يريد خُراسان، ومعه حُذَيفة بن اليمان وناسٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه الحسن، والحسين، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير...
ثم أتى طَميسة، وهي كلها من طَبَرِستان جُرجان، وهي مدينة على ساحل البحر، وهي في تُخوم جُرجان، فقاتَله أهلها حتى صلّى صلاة الخوف...
وحاصرهم، فسألوا الأمان؛ فأعطاهم على ألّا يقتل منهم رجلًا واحدًا، ففتحوا الحصن، فقتلهم جميعًا إلا رجلًا واحدًا؛ وحوى ما كان في الحصن".
ورواه خليفة بن خياط في "التاريخ" (ص 165) بنفس الإسناد عن علي بن محمد وهو المدائني؛ حيث قال:
"غزا سعيد بْن الْعَاصِ طبرستان فَحَاصَرَهُمْ، فَسَأَلُوهُ الْأمان عَلَى أَن لَا يقتل مِنْهُم رجلا وَاحِدًا، فَقَتلهُمْ كلهم إِلَّا رجلا وَاحِدًا.
عَلِيّ بْن مُحَمَّد عَن عَلِيّ بْن مُجَاهِد عَن حَنش بْن مَالك قَالَ: غزا سعيد بْن الْعَاصِ طبرستان سنة ثَلَاثِينَ، وَذكر نَحوه." انتهى.
فالذي يظهر من هذه العبارة: (فَسَأَلُوهُ الْأمان عَلَى أَن لَا يقتل مِنْهُم رجلا وَاحِدًا فَقَتلهُمْ كلهم إِلَّا رجلا وَاحِدًا)؛ هو أن أهل هذا الحصن قصدوا من قولهم: " لَا يقتل مِنْهُم رجلا وَاحِدًا" هو أن لا يقتلهم، وسعيد بن العاص قصد منها أن يقتلهم جميعا إلا رجلا واحدا لا يقتله، فقصد أن لا يعطي الأمان إلا لرجل واحد منهم فقط، كأنه رأى جواز مثل هذه الحيلة.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
"غزا سعيد طَبَرِسْتان، فحاصرهم، فسألوه الأمان، على ألا يقتل منهم رجلًا واحدًا، فقتلهم كلَّهم إلَّا رجلًا واحدا، يُفْتِي نفسه بذلك" انتهى من"تاريخ الإسلام" (2 / 182).
وعلى كل حال فالخبر لا يصح؛ لأن شيخ علي بن محمد المدائني في هذا الخبر هو عليّ بن مجاهد، والمذكور في شيوخ المدائني من اسمه علي بن مجاهد هو عليّ بن مجاهد الرازي الكابلي، وقد اتهم بالكذب.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
"علي بن مجاهد بن مسلم القاضي، الكابلي: متروك، وليس في شيوخ أحمد أضعف منه." انتهى من"تقريب التهذيب" (ص 405).
وروى الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (12 / 106) عن صالح بن محمد قال:
"سمعت يَحْيَى بْن معين- وسئل عَن علي بْن مجاهد الرازي ويعرف بالكابلي- قَالَ:
كان يضع الحديث، وكان صنف كتاب المغازي فكان يضع لكلامه إسنادا." انتهى.
ولعل هذه القصة منه.
وهذا الخبر نسبه علي بن مجاهد إلى حنش بن مالك، ولم نقف في الرواة على من اسمه حنش بن مالك.
فالخلاصة: هي أن إسناد هذا الخبر ضعيف جدا لا يعتمد عليه.
والله أعلم.