أنا في معهد شرعي، ففي الصباح كنا نهتف بقسم لسنوات، وهو: "أقسم بالله العظيم، وبوجهه الكريم، أن أكون مثالا صالحا للفتاة المسلمة، وأن أعمل على ما يرضي الله ورسوله، وأن أحافظ على كتاب الله وسنة رسوله، والله على ما أقول شهيد"، كنت أقول ذلك القسم بدون نية، ولكن في بعض الأحيان أقوله بنية أني أريد أن أرضي الله تعالى. فالسؤال هنا: هل عندما أخطىء في شيء سأكون قد حنثت بهذا القسم؟
الحمد لله.
أولا:
لا يشرع دعوة الطلاب لهذا القسم؛ لما فيه من إدخال الحرج عليهم لو حنثوا في يمينهم، ثم لم يكفروا.
ثانيا:
الأيمان مرجعها إلى النية، فينظر إلى نية الحالف فيما ذكرت، فإن الصلاح، والعمل على ما يرضي الله، والمحافظة على الكتاب والسنة: درجات متفاوتة، والإخلال بذلك درجات أيضا، فإن أراد أنه لا يعصي الله مطلقا، لزمته الكفارة إذا عصى، وإن أراد الاستقامة في الجملة، لم يحنث بالصغيرة، أو أرادت الفتاة بالمثال الصالح: محافظتها على صلاتها وحجابها مثلا، أو بعدها عن المعاصي أمام زميلاتها، لم تحنث بفعلها معصية في بيتها مثلا.
قال ابن قدامة: "مبنى اليمين على نية الحالف، فإذا نوى بيمينه ما يحتمله، انصرفت يمينه إليه" انتهى من "المغني" (11/ 284).
وإذا لم يكن للحالف نية، رجع إلى سبب اليمين، ثم إلى العرف، ثم إلى اللفظ.
ونظرا لكون هذه الألفاظ عامة وتحقيقها متفاوت، ولكون الإنسان لا يسلم من المخالفة، فإن الأحوط أن تكفري كفارة واحدة، فإن من حنث في أيمان على شيء واحد ولم يكفر: تكفيه كفارة واحدة.
قال في "كشاف القناع" (6/ 244): مبينا الحالة الأولى: "(ومن كرر يمينا موجبها واحد، على فعل واحد، كقوله والله لا أكلت، والله لا أكلت): فكفارة واحدة؛ لأن سببها واحد، والظاهر أنه أراد التأكيد." انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: "أنا شاب حلفت بالله أكثر من ثلاث مرات على أن أتوب من فعل محرم، سؤالي: هل علي كفارة واحدة أم ثلاث، وما هي كفارتي؟
فأجاب: عليك كفارة واحدة، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام؛ لقول الله سبحانه: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) الآية من سورة المائدة/89.
وهكذا كل يمين على فعل واحد، أو ترك شيء واحد، ولو تكررت: ليس فيها إلا كفارة واحدة، إذا كان لم يكفر عن الأولى منهما.
أما إذا كان كفر عن الأولى، ثم أعاد اليمين: فعليه كفارة ثانية إذا حنث.
وهكذا لو أعادها ثالثة وقد كفر عن الثانية فعليه كفارة ثالثة.
أما إذا كرر الأيمان، على أفعال متعددة، أو ترك أفعال متعددة: فإن عليه في كل يمين كفارة، كما لو قال: والله لا أكلم فلانا، والله لا آكل طعاما، والله لا أسافر إلى كذا، أو قال: والله لأكلمن فلانا، والله لأضربنه، وأشباه ذلك.
والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريبا. وفي الكسوة ما يجزئه في الصلاة، كالقميص أو إزار ورداء.
وإن عشاهم أو غداهم كفى ذلك؛ لعموم الآية الكريمة المذكورة آنفا. والله ولي التوفيق." انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (23/ 145).
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (45676)
والله أعلم.