الحمد لله.
زين الدين الفارقي هو كما ترجم له تلميذه الذهبي رحمه الله تعالى، حيث قال:
"عبد الله بن مروان بن عبد الله بن فيرة، الإمام المفتي الفقيه الكبير، زين الدين أبو محمد الفارقي الشافعي، شيخ دار الحديث بدمشق وخطيب البلد. ولد سنة ثلاث وثلاثين وست مائة، في المحرم.
سمع من أبي القاسم بن رواحة، وابن خليل بحلب، ومن كريمة، والسخاوي، وطائفة بدمشق، وعني بالفقه، وقرأ بنفسه الحديث، وكان ديّنا خيّرا في نفسه، قوي النفس، جهوري الصوت، كبير القدر. مات في صفر سنة ثلاث وسبعمائة." انتهى من "المعجم المختص" (ص 130).
ولم نقف على شيء يدل على تفاصيل معتقد زين الدين الفارقي أو تأثره بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وغاية ما وصل إلينا أنه عاصره في دمشق، وهو في عداد شيوخه.
قال ابن ناصر الدين رحمه الله تعالى:
"ومنهم الشيخ الامام الصالح الورع الحافظ المفيد الحجة، شهاب الدين أبو العباس احمد بن مظفر... ابن بكار ابن النابلسي، سبط زين الدين خالد الشافعي، حدث عنه الحافظ الذهبي مع تقدمه وذكره في معجمه المختص بالمحدثين...
وجدت بخطه في كتاب "مجابي الدعوة" تأليف ابي بكر عبد الله بن ابي الدنيا ما نصه:
سُمع هذا الكتاب على الشيخ الامام العالم العامل العلامة الأوحد الصدر الكبير الزاهد الورع، شيخ الاسلام جمال الأئمة مفتي الفرق زين الدين أبي محمد عبد الله ابن الشيخ بدر الدين مروان أبي عبد الله الفارقي الشافعي نفع الله به بسماعه قراءة، نقلا عن شيخ الشيوخ ابن حمويه بسنده.
بقراءة سيدنا وشيخنا، الشيخ السيد الامام العالم العلامة الحافظ القدوة الزاهد الورع جمال العلماء قدوة المسلمين بركة الأنام شيخ الاسلام اإمام العصر تقي الدين أبي العباس احمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الحنبلي فسح الله في مدته وأعاد من بركته... " انتهى من "الرد الوافر" (ص 144 - 145).
وترافقا في عدد من حوادث ذلك العصر، كحادثة تشاركهما في إنكار ما صدر من أحد النصارى من سب في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وسجنا بسبب هاته الحادثة.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
"واقعة عسّاف النصراني:
كان هذا الرّجل من أهل السويداء، قد شهد عليه جماعة أنّه سبّ النّبي صلى الله عليه وسلم، وقد استجار عسّافٌ هذا بابنِ أَحمد بن حجي أمير آل عليّ، فاجتمع الشَّيخ تقي الدين ابن تيميّة، والشيخ زين الدين الفارقي شيخ دار الحديث، فدخلا على الأمير عز الدين أيبك الحموي، نائب السلطنة، فكلماه في أمره، فأجابهما إلى ذلك، وأرسل ليحضره، فخرجا من عنده ومعهما خلق كثير من الناس، فرأى الناس عسافا حين قدم ومعه رجل من العرب، فسبوه وشتموه، فقال ذلك الرجل البدوي: هو خير منكم. يعني النصراني، فرجمهما الناس بالحجارة، وأصابت عسافا، ووقعت خبطة قوية، فأرسل النائب، فطلب الشيخين ابن تيمية والفارقي، فضربهما بين يديه، ورسم عليهما في العذراوية، وقدم النصراني، فأسلم وعقد مجلس بسببه، وأثبت بينه وبين الشهود عداوة، فحقن دمه، ثم استدعى بالشيخين فأرضاهما وأطلقهما، ولحق النصراني بعد ذلك ببلاد الحجاز، فاتفق قتله قريبا من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتله ابن أخيه هنالك، وصنف الشيخ تقي الدين ابن تيمية في هذه الواقعة كتابه " الصارم المسلول على سابّ الرسول". " انتهى. "البداية والنهاية" (17 / 665 – 666).
على أننا نقول: إنما يسأل العاقل عن آثار العالم، وما بلغنا من علمه وديانته، فإن كانت له كتب عرفها، وانتفع بها، وإن كانت له مقالات منقولة، أو اجتهادات، تفقه فيها وتعلم، ودرس. وإن كانت له سيرة طيبة زكية، وأحوال ومقامات في العلم والإيمان: انتفع بذلك كله، في نفسه ودينه.
وأما التنقير عن أمر خفي عنا، لم ينقل شأنه في كتاب، ولا سارت به الأخبار، والانزلاق إلى "هوس التصنيف"؛ فما نفع ذلك لدين المسلم.
رجل من أهل العلم والديانة، لم نقف له على كتاب مصنف في أي علم، فضلا عن أن يكون في علم الكلام، أو مباحث العقائد؛ ما انتفاع المسلم الآن بالتنقير عن شأنه، وما خفي من حاله؟!
والله أعلم.