الحمد لله.
التحزب هو اجتماع مجموعة من الناس على رأي ينصر فيه بعضهم بعضا.
قال ابن سيده رحمه الله تعالى:" حِزْب الرجُل - أصحابه الّذين على رأيه والجمع أحزاب وقد تَحَزَّب القوم - صاروا أحزابا وحزّبتهم أنا وتحازبوا - مالأ بعضهم بعضا " انتهى من من"المخصص" (1/331).
والتحزب المذموم هو ما وجد فيه أحد أمرين أو هما معا:
الأمر الأول:
أن يُعرض المتحزبون عن الكتاب والسنة، ويجتمعون على هوى يهوونه، ويبغضون ويعادون من يوصيهم بالحق والصبر عليه، ويفرحون بمن يناصرهم بالباطل، فيتناولهم، قول الله تعالى:
(وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) المؤمنون/52–53.
الأمر الثاني:
التعصب للرأي والفكرة ومعاداة المخالف، وهذا أمر مذموم لما فيه من تفرق الأمة الذي نهينا عنه، حيث أمرنا بمراعاة حقوق الأخوة الإسلامية وأن تكون الموالاة للحق لا لرأي أو شخص.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" الطائفة التي تتحزب، أي تصير حزبا:
فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله، من غير زيادة ولا نقصان؛ فهم مؤمنون، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.
وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا، مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل، والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم، سواء كان على الحق والباطل، فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف، ونهيا عن التفرقة والاختلاف، وأمرا بالتعاون على البر والتقوى، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان " انتهى من"مجموع الفتاوى" (11 / 92).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:
" كل فكرة تقسم المسلمين وتجعلهم أحزابا فكرة باطلة، تخالف مقاصد الإسلام وما يرمي إليه؛ وذلك لأنه يدعو إلى الاجتماع والوئام، والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى، كما يدل على ذلك قوله سبحانه:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )، وقال تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )، وقال تعالى: ( مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ).
فانظر أيها المؤمن الراغب في الحق؛ كيف يحارب الإسلام التفرق والاختلاف، ويدعو إلى الاجتماع والوئام، والتمسك بحبل الحق والوفاة عليه " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (1/286).
ولا شك أن ما تنادي به جماعة "النسوية" هو داخل في هذا التحزب المذموم؛ لأن فيه تفريقًا للأمة ، وتشتيتًا لها، بحيث يبغضون كل من ينكر عليهم فكرتهم ويعادونه، ويوالون كل من يناصرهم ولو كان من أشد الناس كفرا وضلالا.
كما أن فيها تفريقًا للمجتمع من وجه آخر، وهو انقسام المجتمع إلى حزبين: رجال ونساء، وكل حزب منهما يعادي الآخر، ويسعى لهزيمة، والانتصار عليه!
وهذا الصراع بين طبقات المجتمع لا وجود له في الإسلام، بل جميع المجتمع لحمة واحدة تتعاون فيما بينها على طاعة الله تعالى، وإعلاء كلمته.
كما أن بعض هذه التجمعات قد تكون مشبوهة ، تتستر وراء هذه الدعوات والتحزبات ، لتفكيك المجتمع، أو تغيير ثقافته، فيصورون بعض الأخطاء الفردية التي يقوم بها آحاد الرجال في حق النساء على أنه ظلم من "المجتمع" للمرأة ، فينسبون الخطأ للمجتمع كله، لا للفرد الذي أخطأ، وقد يتمادين في الخطأ أكثر من ذلك -وهو أخطر من الأول- فينسبن الخطأ إلى الإسلام، ويصورون الإسلام على أنه هضم المرأة حقوقها .
ثم فيه، فوق ذلك كله: أمر تفريق الدين، بعد تفريق أهله، فلا يأخذون أمر الدين بالتسليم له بالكلية، بل ينتقون من أحكامه، وآدابه، ما يرونه مؤيدا لأهوائهم، ورغباتهم، ويعرضون عم يخالفها، أو يردها ويضادها؛ فعل الذين جعلوا القرآن عضين، فيؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض؛ يعرضون عما يؤدبهم ويردهم، وإن يكن شيء في ظاهره نصرة لهم يأتوا إليه مذعنين!!
قال الله تعالى: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) النور/46-52).
فالواجب : الحذر من تلك الحركات .
نعم ؛ لو قامت حركة نسائية هدفها الدعوة إلى الله في محيط النساء ، وتعليمهن الخير والعلم النافع ، والحرص على طاعة الله تعالى؛ لكان ذلك جيدا ، ولكان حقهن العون و المساعدة، من كل من يقدر على ذلك .
أما باعتبار ما هو معروف من تاريخ الحركات النسائية، وواقعها: فالواجب الحذر والحيطة من تلك التجمعات. ودعوة الجميع، الرجال والنساء: إلى أدب الله لهم، ومعرفة شرعه، والتزام آدابه وأحكامه، ومراعاة خصوص أعراف البلدان والقبائل، فيما لا يخالف شرع الله، ولا يضاده.
والله أعلم.