قرأت على موقعكم أنّ جميع أنبياء الله تعالى قد أرسلوا لتصحيح عقيدة توحيد الألوهية (49030)، هذا يعني أن أقوامهم كانوا يجعلون شركاء مع الله في العبادة، لكن بشكل عام اعترفوا بتوحيد الربوبية، أيّ أنهم اعترفوا بالله تعالى باعتباره الخالق الأعلى والمتحكّم في كلّ شيء، لكن الهندوس، والبوذيين والملحدين ينفون وجود الله تعالى تماما، ويؤمن الهندوس والبوذيون بآلهة مختلفة على بخلاف كفّار قريش. فهل أتوا بالشّرك في كلّ من توحيد الربوبية والألوهية؟ وهل هم أسوأ من كفار قريش؟
الحمد لله.
أولا:
كانت البشرية على التوحيد منذ آدم عليه السلام إلى قوم نوح، فلما وقع الشرك بعث الله الرسل وأولهم نوح عليه السلام، كما قال تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ البقرة/213.
وقال: وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا يونس/19.
قال ابن عباس في تفسير آية البقرة : " كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق. فاختلفوا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين " أخرجه البزار، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم.
وقال ابن كثير رحمه الله بعد نقله عن ابن عباس وتصحيحه : " لأن الناس كانوا على ملة آدم، عليه السلام ، حتى عبدوا الأصنام ، فبعث الله إليهم نوحًا عليه السلام ، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/569).
وينظر للفائدة جواب سؤال:(الأصل في البشرية هو التوحيد والشرك أمر طارئ).
ثانيا:
مشركو العرب كانوا مقرين بالربوبية وأن الله هو الخالق الرازق المدبر، وبهذا احتج الله عليهم وألزمهم أن يفردوه بالألوهية والعبودية، وقد زعموا أن أصنامهم تشفع لهم وتقربهم إلى الله. كما قال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا يونس/18، 19.
وقال سبحانه : وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ الزمر/3.
وقال تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ يونس/31، 32.
وقال تعالى: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ المؤمنون/84-89.
وينظر جواب سؤال:(هل كان العرب يعرفون الله قبل البعثة النبوية).
ولا شك أن من ينكر وجود الله، كالملاحدة، أو يعتقد أن ربه وخالقه بقرة أو حشرة ونحوها، أنه أشد كفرا من مشركي العرب، إلا إن عبد البقرة أو غيرها بزعم أنها تقربه إلى الله، وأقر أن الله هو الرب الخالق، فيكون كمشركي العرب، والكفر دركات وظلمات بعضها أشد من بعض.
وينظرللأهمية: جواب سؤال:(الإلحاد أعظم كفرا من الشرك)؟
على أنه ينبغي أن يُعلم أن مشركي العرب لم يؤمنوا بالربوبية كلها، فقد أنكروا قدرة الله على البعث والإحياء بعد الموت!
قال تعالى عنهم: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ يس/78-81.
وقال سبحانه: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الأحقاف/33.
فالصواب أن يقال: إن المشركين كانوا مقرين بأمور كثيرة من الربوبية كالخلق والرزق والتدبير.
وينظر للفائدة: جواب سؤال:(حقيقة توحيد الربوبية والمخالفين فيه).
والله أعلم.