أنا كنت ممثلة، وأفلامي كان فيها إفادات للناس، ولم أقصد أبدا أن أظهر بعري، وكانت جميع ملابسي شبه محتشمة، وأتصدق علي الفقراء بمعظم مالي المكتسب من التمثيل، وقد قمت بمشاريع بذلك المال، فهل مالي حرام؟ وهل يجب علي أن أتخلص من تلك المشاريع؟ علما بأنني دعوت الله كثيرا، وقد جاءتني رؤى أنني سأستطيع أن أمثل في يوم من الأيام.
الحمد لله.
أولا:
التمثيل ـ بالنسبة للرجال ـ محل خلاف بين العلماء، والراجح جوازه بضوابط شرعية سبق ذكرها في جواب السؤال رقم: (10836).
وأما تمثيل المرأة أمام الرجال بحيث يبدو شيء من شعرها أو نحرها، أو تظهر في ثياب فاتنة، أو كاشفة، أو تضع على وجهها المساحيق والزينة، أو تمثل مختلطة بالرجال، فيقع لمس أو تكرار نظر، فلا شك في تحريم ذلك.
فإن انضاف إلى ذلك وجود الموسيقى فهذا محرم آخر.
فإن كان في التمثيل قبلات أو مشاهد عاطفية، فهذا أعظم وأفحش.
وبهذا تعلمين أنه لا يمكن أن تمثل المرأة تمثيلا يخلو من وقوعها في المحرمات، هذا مع أن الراجح وجوب ستر وجهها ويديها عن الرجال الأجانب، ومن أجاز كشف الوجه لم يجز وضع المساحيق، ولا أن يكرر الرجل النظر إليها، فضلا عن لمسها أو مصافحتها.
هذا مع ما يحتاج إليه التمثيل من الاختلاط بالرجال في مراحل التصوير والإعداد، بل في جميع مراحله.
فإذا كنت قد تركت التمثيل فاحمدي الله على العافية، واحذري أن تعودي له مهما زين لك المزينون، ولبس عليك الملبسون، فإن دينك أعظم من أن تضحي به من أجل مال أو جاه أو شهرة.
وما بقي من عمر الإنسان ينبغي أن يتزود فيه من الصالحات، وأن يحذر كل ما يلوث فطرته، أو يمرض قلبه، أو يذهب حياءه، وتأملي هذا الحديث لتعلمي عظم المصيبة التي تنشأ عن التمثيل والاختلاط بالرجال:
روى الحاكم (58)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (7331) عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1603).
فنسأل الله أن يثبت إيمانك، وان يرد عليك حياءك.
ثانيا:
يحرم المال المكتسب من التمثيل المحرم؛ لأن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه.
ولكن إذا تاب الإنسان وكان قد أنفق المال، فلا شيء عليه، وأما ما بقي في يده فإنه يتخلص منه بإعطائه الفقراء والمساكين أو يضعه في المصالح العامة، إلا إن كان محتاجا، فيأخذ منه قدر حاجته.
قال ابن القيم رحمه الله : " إذا عاوض غيره معاوضة محرمة وقبض العوض ، كالزانية والمغني وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده ... فتوبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصواب ... ". انتهى بتصرف من "مدارج السالكين"(1/389).
وقد بسط ابن القيم الكلام على هذه المسألة في "زاد المعاد"(5/778) وقرر أن طريق التخلص من هذا المال وتمام التوبة إنما يكون : " بالتصدق به ، فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته ، ويتصدق بالباقي" انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فإن تابت هذه البغي وهذا الخَمَّار ، وكانوا فقراء جاز أن يصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم ، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج والغزل ، أعطي ما يكون له رأس مال . وإن اقترضوا منه شيئا ليكتسبوا به ... كان أحسن" انتهى من "مجموع الفتاوى"(29/308).
وعليه فالمشاريع التي كانت بمال التمثيل، لك أن تأخذي منها بقدر حاجتك، ثم تتخلصين من الباقي.
ثالثا:
الرؤى لا يؤخذ منها الأحكام، وما أسهل أن يأتي الشيطان إلى العبد فيزين له العمل المحرم.
فالنصيحة لك أن تقبلي على الله، وأن تستثمري الوقت في طاعته، وأن تنشغلي بحفظ القرآن، وتحصيل العلم النافع، وأن تدعي كل عمل فيه اختلاط بالرجال، وأن تعظمي أمر الحياء والحشمة، وأن يكون لك في أمهات المؤمنين قدوة، وقد قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) الأحزاب/33.
نسأل الله لك التوفيق والسداد والرشاد.
والله أعلم.