هل تُمسح الأذنان بماء الرأس أم يؤخذ لهما ماء جديد؟

22-10-2023

السؤال 355869

إذا مسحت الرأس، وانتهيت، وأردت أن أمسح أذني، ولكن أصابعي نشفت، فماذا أفعل حينها؟ في أيام وضعت ماء جديدا على أصابعي لمسح أذني، فهل صلواتي صحيحة؟ وفي بعض الأيام مسحت أذني ويدي جافة، فهل أعيد الصلوات؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

حكم مسح الأذنين.

اختلف العلماء في حكم مسح الأذنين، على قولين :

القول الأول: أن مسح الأذنين سنة، فمن تركه فوضوؤه صحيح، وهو مذهب الجمهور، ورواية عن أحمد .

واستدلوا بما رواه البخاري (185) من طريق عمرو بن يحيى المازني ، عن أبيه: " أن رجلا قال لعبد الله بن زيد ، وهو جد عمرو بن يحيى : أتستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ؟

فقال عبد الله بن زيد : نعم ، فدعا بماء ، فأفرغ على يديه، فغسل مرتين، ثم مضمض واستنثر ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً ، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين ، ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه. ورواه مسلم بنحوه (235).

ووجه الاستدلال : أن هذا الوضوء وقع جوابًا لسؤال : كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فذكر صفة الوضوء من المضمضة والاستنشاق ، وذكر مسح الرأس ثم انتقل إلى غسل الرجلين ، ولم يذكر الأذنين ، ولو أن الراوي قال : ومسح برأسه لقيل : ربما أنه أجمل ، فلما ذكر صفة مسح الرأس بداية ونهاية ، ولم يتعرض للأذنين علم أنه لم يمسحهما ، وتركه لهما وهو في معرض بيانه لصفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - : دليل على أن مسحهما ليس بواجب.

وجاء نحو ذلك أيضًا في حديث حمران مولى عثمان ، أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء ، فأفرغ على كفيه ثلاث مرار ، فغسلهما ، ثم أدخل يمينه في الإناء ، فمضمض واستنشق ، ثم غسل وجهه ثلاثاً ، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرار ، ثم مسح برأسه ، ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين ، ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( من توضأ نحو وضوئي هذا ، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه البخاري (159)، ومسلم (236).

وينظر: "بدائع الصنائع" (1/ 23) ، و"المدونة" (1/ 123)، و"الفروع" (1/ 149، 150) ، و"المحلى" (مسألة: 199).

القول الثاني : يجب مسح الأذنين ، وهو المشهور من مذهب الحنابلة ، وقول إسحاق ، واختاره بعض المالكية .

واستدلوا بقوله تعالى: ( وامْسَحُوا بِرُءوسِكُم ) ، وبحديث : ( الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ ) أخرجه أبو داود (134)، والترمذي (37)، وابن ماجه (444). قال الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بذاك القائم.

قالوا : فإذا كانت الأذنان من الرأس، فيكون الأمر بمسح الرأس أمراً بمسحهما ، فيثبت وجوبه بالنص القرآني .

وأجاب الجمهور عن هذا الاستدلال بأن الحديث فيه مقال ، كما سبق في كلام الترمذي ، وعلى فرض صحته ، فإنه إنما يدل على أن الأذنين من الرأس ، أي تمسحان مع الرأس ، ولا يدل على وجوب مسحهما.

والدليل على ذلك : أن من وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة لم يتفقوا على ذكر مسح الأذنين ، مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله أحيانًا ، ويتركه أحيانا ، فلا يكون واجبا .

ينظر : "الإنصاف" (1/ 162 ، 163) ، و"كشاف القناع" (1/ 100) ، و"الأوسط" (1/ 405) ، و"المنتقى شرح الموطأ" (1/ 75).

قال ابن قدامة : " وَالظَّاهِرُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُهُمَا ، وَإِنْ وَجَبَ الِاسْتِيعَابُ ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِهِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا عَلَيْهِ الشَّعْرُ"، 

وقال : " قَالَ الْخَلَّالُ : كُلُّهُمْ حَكَوْا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِيمَنْ تَرَكَ مَسْحَهُمَا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا ، أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا تَبَعٌ لِلرَّأْسِ ، لَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الرَّأْسِ دُخُولُهُمَا فِيهِ ، وَلَا يُشْبِهَانِ بَقِيَّةَ أَجْزَاءِ الرَّأْسِ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ مَسْحُهُمَا عَنْ مَسْحِهِ عِنْدَ مَنْ اجْتَزَأَ بِمَسْحِ بَعْضِهِ ".انتهى من المغني (1/ 93)

والراجح هو القول الأول ، وهو أن مسح الأذنين سنة وليس واجبًا، فمن توضأ ولم يمسح أذنيه فوضوؤه صحيح.

قال القرطبي: " وأهل العلم يكرهون للمتوضئ ترك مسح أذنيه، ويجعلونه تارك سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يوجبون عليه إعادة إلا إسحاق ".

انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (6/ 90).

ثانيًا :

اختلف العلماء في ماء الأذنين :

فقيل : السنة أن تمسح الأذنان بماء الرأس ، وهو مذهب الحنفية، وهو ما دلت عليه السنة .

وقيل : بل يستحب أخذ ماء جديد لهما ، وهو مذهب المالكية ، والشافعية ، والحنابلة .

ولو مسحهما بماء الرأس أجزأ عندهم ، لكن الخلاف في تحصيل السنة.

قال ابن المنذر : " وغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ الَّتِي فِيهَا صِفَةُ وُضُوءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْذُهُ لِأُذُنَيْهِ مَاءً جَدِيدًا ". انتهى من "الأوسط" (1/404).

وقال ابن القيم : " وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ مَعَ رَأْسِهِ ، وَكَانَ يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ أَنَّهُ أَخَذَ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا ، وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ". انتهى من "زاد المعاد في هدي خير العباد" (1/ 187)

قال المباركفوري : " لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ صَحِيحٍ خَالٍ عَنِ الكلام يدل على مسح الأذنين بماء جديد ، نعم ثبت ذلك عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مِنْ فِعْلِهِ ". انتهى من "تحفة الأحوذي" (1/122)

قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله بعد أن ذكر قول الفقهاء الذين قالوا : يستحب أن يأخذ للأذنين ماء جديدًا ، قال : "لكن هذا القول ضعيف .

نعم ؛ لو فرض أن اليد يبست نهائيًا، ولم يكن فيها بلل إطلاقًا؛ فحينئذ يحتاج إلى أن يبل بماء جديد ، وهذا يتصور فيما إذا كانت الريح شديدة، وكان الشعر كثيفًا، وإلا فإن الغالب أنه يبقى بلل" انتهى من "شرح بلوغ المرام" (1/190) .

وينظر : "بدائع الصنائع" (1/ 5)، و"حاشية ابن عابدين" (1/ 21)، و"التمهيد" (3/ 209)، و"مواهب الجليل" (1/ 112)، و"روضة الطالبين" (1/ 4)، و"المغني" (1/ 4).

وبهذا يتبين أن صلاتك السابقة صحيحة إن شاء الله تعالى ، لأنك إن أخذت ماء جديدا للأذنين فقد أحسنت ، وإن تركت مسحهما بالكلية ، فإن مسحهما سنة من سنن الوضوء عند جمهور الفقهاء، فلا يبطل تركه الوضوء .

والله أعلم.

الوضوء
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب