الحمد لله.
هذه المادة "النسفاي" هي مكونة من أوراق التبغ، يضاف إليها بعض المواد التي تسهّل على الغشاء الباطني للفم امتصاص محتويات التبغ. حيث يتناول عبر الفم، فيخزّن بين الشفة السفلى والأسنان.
وهذه المادة تعرف في بلاد العرب بـ "الشمّة" وغيرها من الأسماء.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى:
"مسحوق البردقان المسمى بجهاتكم (الشمة) وأرسلنا المسحوق إلى وكيل وزارة الصحة لتحليله، فأجابنا بالجواب المرفق مشفوعاً ببيان أجزائه بعد تحليله وهي: مسحوق التنباك وكربونات الصوديوم، والذي ظهر لنا من كتابكم، ومن جواب وزارة الصحة، ومما أخبرنا به بعض من يعرف حقيقته وصفة استعماله وحالة مستعمليه: أنه خبيث مستقذر ينهى عنه نهي تحريم، لأنه من مسحوق التنباك المحرم، ولا يتغير الحكم بتغير اسمه، ولا بخلطه بغيره، ولا باختلاف صفة استعماله، قال الله سبحانه وتعالى: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)." انتهى من "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ" (12 / 92).
فهذه المادة هي نوع من التدخين للسجائر، لكنه يزيد عليه بأن محتويات التبغ تدخل إلى الدم بكمية أكبر من خلال هذه الطريقة، وقد تؤدي بمرور الوقت إلى أضرار خطيرة بأجزاء الفم.
وبناء على هذا فينهى المسلم عن تناوله:
أولا:
لأنه محض إسراف للمال في أمر لا ينفع بل يضر، وإسراف الأموال على هذا الوجه محرم.
قال الله تعالى: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام/141.
وقال الله تعالى: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء/26 – 27.
ثانيا:
لأن فيه إضرارًا بالنفس، وهو أمر محرم.
قال الله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) البقرة/195. وقال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) النساء/29 – 30.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
"أي: لا يقتل بعضكم بعضًا، ولا يقتل الإنسان نفسه. ويدخل في ذلك الإلقاءُ بالنفس إلى التهلكة، وفعلُ الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك." انتهى من" تفسير السعدي "(ص 175).
وراجعي لمزيد الفائدة جواب سؤال: حكم التدخين ومضغ التبغ
وبناء على هذا؛ فإن المدمن على هذا التبغ عليه أن يبادر إلى الإقلاع عنه؛ لأن المحرم يجب أن يجتنب مباشرة بعد العلم بحرمته.
عن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
وما ذكرت من عصبية زوجك عند إقلاعه عن هذا التبغ، فهذه العصبية ليست مبيحة له؛ لأن المحرمات إنما تباح عند الضرورة. ومثل هذه العصبية لا تبلغ حد الضرورة بل تحتمل، كما هو معلوم، فلا يباح هذ التبغ المحرم بمجرد شدة الشهوة إليه.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
"وأما المناهي، فلم يعذر أحد بارتكابها بقوة الداعي والشهوات، بل كلفهم تركها على كل حال، وأن ما أباح أن يتناول من المطاعم المحرمة عند الضرورة ما تبقى معه الحياة، لا لأجل التلذذ والشهوة." انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1 / 255).
ومشقة مفارقته هي مشقة معتادة يلقاها كل مفارق لشهوة اعتادها؛ كالتائب من شرب الخمر والزنا وتدخين السجائر وغيرها.
قال الشاطبي رحمه الله تعالى:
"وضع الشريعة على أن تكون أهواء النفوس تابعة لمقصود الشارع فيها، وقد وسع الله تعالى على العباد في شهواتهم وأحوالهم وتنعماتهم، على وجه لا يفضي إلى مفسدة، ولا يحصل بها على المكلف مشقة، ولا ينقطع بها عنه التمتع إذا أخذه على الوجه المحدود له...
فمتى جمحت نفسه إلى هوى قد جعل الشرع له منه مخرجا وإليه سبيلا فلم يأته من بابه؛ كان هذا هوى شيطانيا واجبا عليه الانكفاف عنه؛ كالمولع بمعصية من المعاصي، فلا رخصة له ألبتة؛ لأن الرخصة هنا هي عين مخالفة الشرع...
فقد تبين من هذا أن مشقة مخالفة الهوى لا رخصة فيها ألبتة." انتهى من "الموافقات" (1/ 516).
كما أنه جرت العادة أن المقلع عن هذا التبغ، كلما زاد عزمه وطال ابتعاده عنه: قلّ شوقه إليه.
فعلى المسلم أن يبادر إلى مفارقة هذا التبغ الخبيث، وليصبر وليحتسب الأجر عند الله تعالى.
وقد سُئلت "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" عن إدمان "الشمّة" وهي شبيهة بـ "النسفاي" كما سبق بيانه:
"عندنا النشوق الذي يقال له: (الشمة) أيضا ومدمن عليه الأكثر، بعضهم يصلون بالناس في المساجد، وأهل الدين الذين لا يرضون بمنكر قط، ولكن هذه الشمة لم يقدروا على اعتزالها، وفيه محاولة شديدة على اعتزالها، ولكن للأسف لم يقدروا، وناس تركوها وأصابهم مرض مثل: ورم الفم، وورم البطن، وسيلان الأسنان بالدم، والغضب الشديد، وعدم القدرة على الأعمال، والقلق، والبعض سروا. وخلصهم الله منها، والبعض عادوا لها، والكثير لم يحاول تركها...؟
فأجابت: يحرم تعاطي الشمة، ويجب على متعاطيها الإقلاع عنها بأن يصدق العزم، وأن يكون قوي الإرادة في تركها، وأن يكثر من ذكر الله والاستغفار...
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن قعود، عبد الله بن غديان، عبد الرزاق عفيفي، عبد العزيز بن عبد الله بن باز."
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى" (22 / 140 - 141).
وإذا رفض زوجك الإقلاع الكامل عنها، فلا بأس أن تحاولي معه أن يقلل منها شيئا فشيئا، وتساعديه على ذلك، حتى يتمكن من تركها نهائيًا، فإن المسلم إذا لم يستطع إزالة المنكر بالكلية، فإنه يسعى في تقليله.
وللفائدة، حول حكم تعاطي "المُفَتِّرات": ينظر جواب السؤال رقم: (264356).
والله أعلم