أنا متزوج، وسافرت للعمل، وزوجتي مع أولادي يقيمون في منزل والدتها ولها أخ يسكن معهم، في أحد الأيام تلقيت اتصالا من ابني يخبرني إن خاله يضرب أمه، وعندما تحدثت مع زوجتي قالت لي: إنه كان يضربها إذا دافعت عن أمها، وهو يصيح، ويصرخ، ويقول ألفاظا سيئة، ويضربها، وقام بضربها أكثر من مرة، وأخيرا قد عرفت فقلت لها لا أريد لأخيك أن يدخل بيتي، فقالت لي: أنا ليس عندي أخ، وقد تبرئت منه، وأنا أستطيع أن أعود، وأقوم بضربه، ولكني لا أريد أن تكون في ضغينة، واستعذت بالله تعالى من الشيطان. سؤالي: ما حكم ضرب الأخت من قبل أخيها في غياب زوجها؟ وما حكم أنها تبرئت منه، ولا تريد مكالمته مرة أخرى؟
الحمد لله.
أولا:
المرأة إذا كانت متزوجة فالقيّم عليها في التأديب والتوجيه هو زوجها، وقد يشاركه أبوها في شيء من ذلك، لما للأب من مكانة عظيمة وحقوق على أولاده في تربيتهم وتوجيههم إلى الصواب، أما الأخ فليس له تلك السلطة، فلا يجوز له أن يضربها. خاصة إذا كان ضربه لها كما ذكرت من أجل دفاعها عن أمها، فهذا الضرب ظلم صريح للأخت وعقوق محرم للأم.
فلكما أن تهجراه وتمنعاه من دخول بيتكما حتى يهذب أخلاقه ويترك الظلم؛ لأن دخوله على أخته وأمه في هذه الحال فيه ضرر، والضرر يجب أن يزال.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مضرة، فإن كان كذلك جاز، ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية." انتهى من"فتح الباري" (10 / 496).
ثانيا:
تبرؤ الأخت من أخيها لا قيمة له؛ لأن الأخوة ثابتة بالنسب فلا تسقط بمجرد قول، فالنسب الثابت غير قابل للإسقاط. فعلى الأخت أن لا تقابل ظلم أخيها بقطع الرحم، وإنما تقابله بالنصح والدعاء له، ولها أن تعالجه بالهجر كما سبق حتى يكف عن الظلم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ رواه مسلم (2558).
فصلة الرحم هي طاعة لله تعالى، وليست ثمنا لحسن معاملة القريب.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا رواه البخاري (5991).
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
"اعلم أن المكافئ: مقابل الفعل بمثله. والواصل للرَّحم لأجل الله تعالى: يصلها تقربا إليه، وامتثالا لأمره وإن قطعت، فأما إذا وصلها حين تصله، فذاك كقضاء دين، ولهذا المعنى قال: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ - الْكَاشِح: الْمُبْغِضُ الْمُعَادِي -، وهذا لأن الإنفاق على القريب المحبوب مشوب بالهوى , فأما على المبغض فهو الذي لا شوب فيه." انتهى من "كشف المشكل" (4 / 120 – 121).
والله أعلم.