أنا امرأة مطلقة منذ شهرين تقريبا، ولم أعش مع زوجي سوى شهر واحد، وحدث الطلاق بحجة أنني لا أجيد الطبخ، وأنني لست نشيطة كما ينبغي أن أكون، و كنت أخبره أنني حديثة الزواج، ومن غير المعقول أن يحكم علي بهذه السرعة، وكانت أمه هي من تحرضه. بعد الطلاق التعسفي حكم القاضي بمبلغ 19 مليون، 3 ملايين نفقة العدة، ومليون نفقة الإهمال، و15 مليون كتعويض، و راتب طليقي ضئيل جدا، يساوي مليون ونصف، و هو حاليا يطالبني بإعادته هذه الأموال له، بحكم أنه لا يحل لي، وأنه دفعه لي وهو مكره، مع العلم أني دفعت لمحاميتي في هذه القضية حوالي 5 ملايين، وللمحضر القضائي مليون. وبما أنني أقيم في منطقة بعيدة عن منطقة طليقي، فقد كان أخي يتكفل بإيصالي إلى المحكمة بسيارته، دون أن يطلب مني دفع ثمن الأجرة، مع العلم أن استئجار سيارة من مدينتي إلى مدينة طليقي يكلف ما يزيد عن نصف مليون، وقد اصطحبني أخي لمدينة طليقي حوالي خمس أو ست مرات، و كان في كل مرة يصطحبني فيها يقوم بالاستئذان من عمله، في حين إن طليقي يقيم بالقرب من المحكمة. وسؤالي هو : هل يجوز لي أن أقتطع تكاليف قضية الطلاق من مبلغ التعويض، وأرد الباقي إلى طليقي؟ أم أرده له كاملا؟ أم ماذا أفعل؟
الحمد لله.
أولا:
إذا طلقت المرأة بعد الدخول فلها المهر كاملا، فلو كان منه شيء مؤجل، فإنها تستحقه؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا رواه الترمذي (1102) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1840).
وأما النفقة أثناء العدة فتختلف باختلاف الطلاق:
1- فإن كان رجعيا، فلها النفقة.
2- وإن كان بائنا، كالطلاق على عوض، أو ما يسمى بطلاق الإبراء، وهو أن تتنازل المرأة عن شيء من حقها، أو تدفع مالا مقابل الطلاق، أو كان الطلقة الثالثة؛ فلا نفقة لها في العدة؛ لما روى مسلم (1480) أن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها طلقها زوجها الثالثة، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما لها من النفقة فقال: لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى .
وعليه؛ فينظر في نوع طلاقك، وفي مهرك إن كان بقي لك شي منه لم تأخذيه، وينظر فيما حكم به القاضي، فما زاد على ذلك، فالأصل أنه لا يحل لك.
ولا نعلم أصلا للتعويض عن الطلاق التعسفي ولا ما أسميته نفقة الإهمال.
جاء في قرار "مجمع الفقه الإسلامي" رقم 109 (3/ 12) بشأن موضوع "الشرط الجزائي" ما نصه: "الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي... ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي." انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (13/ 40) تحت عنوان "التعويض عن الأضرار المعنوية": "لم نجد أحداً من الفقهاء عبَّر بهذا، وإنما هو تعبير حادث، ولم نجد في الكتب الفقهية أن أحداً من الفقهاء تكلم عن التعويض المالي في شيء من الأضرار المعنوية." انتهى.
ثانيا:
لم تبيني سبب رفع الأمر للقضاء، فإن كان لامتناع طليقك عن إعطائك ما يحق لك من مهر، أو نفقة عدة –على التفصيل السابق- فإن ما غرمتِه من مصاريف التقاضي: لك أن تأخذيها من طليقك.
وإن كنت رفعت الأمر للقضاء دون امتناع من طليقك عن إعطاء حقك، بل لأخذ ما لا يحق لك، أو لاستعجالك أخذ حقك دون الرجوع إليه، وثبوت امتناعه، فقد أخطأت بذلك، ولا يحق لك مطالبته بشيء من مصاريف التقاضي.
ومصاريف التقاضي- حيث جاز أخذها- فإنها تشمل ما دفعت للمحامي والمحكمة وأجرة السفر إن كنت دفعت أجرةً بالفعل، فإن تبرع متبرع بذلك كأخيك، فليس لك المطالبة بهذه الأجرة من طليقك.
ومن كلام الفقهاء في الإلزام بمصاريف الدعوى والتقاضي:
1- سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "عمن عليه دين فلم يوفه حتى طولب به عند الحاكم وغيره، وغرم أجرة الرحلة. هل الغُرم على المدين؟ أم لا؟
فأجاب: الحمد لله، إذا كان الذي عليه الحق قادراً على الوفاء، ومطله حتى أحوجه إلى الشكاية، فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المماطل، إذا غرمه على الوجه المعتاد." انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/ 24).
2- وقال البهوتي في "كشاف القناع" (3/ 419): "(ولو مطل) المدينُ ربَّ الحق (حتى شكا عليه؛ فما غرمه) رب الحق، (فعلى) المدين (المماطل)، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد، ذكره في الاختيارات؛ لأنه تسبب في غرمه بغير حق.
(وفي الرعاية: لو أحضر مدعى به، ولم يثبت للمدعي: لزمه) أي المدعي (مؤنة إحضاره، و) مؤنة (رده) إلى موضعه، لأنه ألجأه إلى ذلك بغير حق." انتهى.
وقال في (4/ 116): "ومثله من شكا إنسانا ظلما، فأغرمه شيئا لحاكم سياسي، كما أفتى به قاضي القضاة الشهاب ابن النجار، ولم يزل مشايخنا يفتون به، بل لو غرمه شيئا لقاض ظلما، كان الرجوع به عليه، كما يعلم مما تقدم في الحجر، فيما غرمه رب الدين بمطل المدين ونحوه؛ لأنه بسببه." انتهى.
والحاكم السياسي هو الذي يخالف الحكم الشرعي، زعما منه أن هذه السياسة هي التي تصلح الناس.
ونسأل الله أن يجبر خاطرك، وأن يعوضك خيرا.
والله أعلم.