أوصى جدي بشقة لي في العمارة بعد مماته، وقال هذه شقتكم في حياتي وبعد مماتي، ويوجد شهود على ذلك، ولكن لا يوجد شيء يثبت ذلك، صك أو أوراق مكتوبة إلا الشهود فقط، وبعد وفاته أقر الشهود على ذلك، وأصبح الكل من الورثة يعلم ذلك، واجتمعوا، وتناقشوا على أمور عديدة، وعلى بيع العمارة، ولم يخبرونا بشيء، إلا إنا نسمع كلاما من أولاد العمومة، ولم يستأذنوا في بيع الشقة، وكأنها ملكهم، وليس لنا شيء ؛ لأننا لسنا من الورثة، فوالدي توفي قبل جدي، فلا نرث لهذا، ثم باعوا العمارة، فجاء المالك الجديد، وقال: تخرجون من الشقة خلال أسبوع، أو تدفعون إيجارا، و كأن الشقة ليست من حقنا، فقلت له: أمهلني/ قال تدفع الإيجار، لا يوجد مهلة. أسئلتي: ١-هل كان من المفترض أن يشتروا الشقة منا، ثم يبيعون العمارة، أو يبيعوها بدون إخبارنا ؟ ٢- هل لي الحق أن أطالب بالمبلغ الذي أريده، لأن الورثة بعد البيع قالوا: لك كذا و كذا، قلت : لا أريد هذا المبلغ منخفض، إني اقيمها كذا وكذا؟ ٣- وما حكم بخس الناس حقها ؟ ٤- وهل هذا البيع جائز؛ أن تبيع ما ليس لك حق فيه؟ وما حكم البيع هل هو باطل؟ ٥-وما حكم مقاطعتهم وإن كانوا أرحاما؟
الحمد لله.
أولا:
إذا ثبتت الوصية بشهادة شاهدين، ولم يطعن الورثة في شهادتهما، فإن الواجب عليهم إنفاذ الوصية إذا لم تتجاوز ثلث التركة، وذلك مقدم على تقسيم التركة إجماعا؛ لقوله تعالى في آية المواريث: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (2/ 201) " الدين مقدم على الوصية، وبعده الوصية، ثم الميراث، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء " انتهى.
ويأثم من عطل هذه الوصية أو غيّرها؛ لقوله تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌالبقرة/ 181.
قال الشوكاني رحمه الله: " والتبديل: التغيير ... وهذا وعيد لمن غير الوصية المطابقة للحق، التي لا جَنَف فيها، ولا مضارَّة، وأنه يبوء بالإثم، وليس على الموصي من ذلك شيء، فقد تخلص مما كان عليه بالوصية به " انتهى من " فتح القدير "(1/231).
وأما إن زادت الشقة على ثلث التركة، فتنفذ الوصية فيما يساوي ثلث التركة منها، ويتوقف الباقي على إجازة الورثة.
ثانيا:
إذا قبل الموصى له الوصية بعد موت الموصي: انتقل إليه الملك شرعا.
قال في "كشاف القناع" (4/ 344): "(ولا يثبت الملك) في الوصية (للموصى له إلا بقبوله بعد الموت، إن كان) الموصى له (واحدا) كزيد، (أو جمعا محصورا) كأولاد عمر، ولأنه تمليك مال، فاعتبر قبوله؛ كالهبة. قال أحمد: الهبة والوصية واحدة. (فورا أو تراخيا) أي: يجوز القبول على الفور والتراخي، (ولا عبرة بقبوله) الوصية قبل الموت" انتهى.
وهذا مذهب الجمهور، يشترطون قبول الموصى له للوصية بعد موت الموصي.
وذهب بعض الحنفية إلى أنه لا يشترط القبول، كالإرث.
وينظر: "أحكام الوصية في الفقه الإسلامي"، محمد علي محمود يحيى، رسالة ماجستير، ص48
ثالثا:
بناء على قبولكم للوصية بعد موت الموصي، فإن كانت الشقة لا تزيد عن ثلث التركة، فإنها تصبح ملككم شرعا، ويترتب على ذلك بطلان بيعها من قبل الورثة؛ لكونهم باعوا ما لا يملكون.
وعليه؛ فينفسخ البيع في حق الشقة، ويستحقون ما يقابلها من الثمن ممن اشترى العقار.
فإن لم يمكنهم الفسخ، وجب أن يعوضوكم شقة مثلها، أو أن تقوّم الشقة ويدفعوا ثمنها.
رابعا:
لكم المطالبة بحقكم، ورفع الظلم الذي نزل بكم، وينبغي أن توسطوا من يسعى لحل الأمر وتحصيل الحق، فإن لم يُجد ذلك، فلكم رفع الأمر إلى القضاء.
خامسا:
تحرم قطيعة الرحم، وليس الظلم الذي وقع عليكم عذرا في القطيعة، فطالبوا بحقكم ولو بالقضاء، مع بقاء الصلة بالسلام وغيره.
والله أعلم.