في كلية الطب في أول سنة ونصف، تعلّمنا علم التشريح البشري الذي يتم التعلم عن عظام الإنسان كجزء منه. ولهذا الغرض، طلب منّا شراء عظام بشرية حقيقية، يقوم بعض الطلاب ببيع تلك العظام للطلاب الجُدُد عندما تنتهي الحاجة إلى العظام. في الأحوال المذكورة أعلاه هل يجوز للطالب شراء عظام بشرية حقيقية؟ وما إن يقوموا بشرائها ، هل يجوز لهم بيعها بنفس السعر الذي اشتروها به؟ أم يمكنهم إعطاء العظام للطلاب الجدد الذين يحتاجون إليها مجانًا؟ وما هي الطريقة الصحيحة للتخلّص من تلك العظام؟ وإذا سبق لهم أن باعوا العظام بنفس المبلغ الذي اشتروه أو أقلّ منه أو أكثر بسبب عدم علمهم بأحكام الشريعة الإسلامية الصحيحة بشأنه ، فهل يجب عليهم فعل أيّ شيء الآن؟
الحمد لله.
أولا:
لا يجوز بيع عظام موتى المسلمين، ولا شراؤها، ولا تداولها للفحص والتعلم، بل يجب دفنها وإكرامها.
قال تعالى : وَلَقَد كَرَّمنَا بني ءَادَمَ الإسراء/70.
وروى أحمد (24730)، وأبو داود (3207)، وابن ماجه (1616) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
قال في "عون المعبود" (9/ 18): " (ككسره حيا): يعني في الإثم، كما في رواية. قال الطيبي: إشارة إلى أنه لا يُهان ميتا، كما لا يهان حيا" انتهى.
وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (11990) عن ابن مسعود، قال: "أذى المؤمن في موته، كأذاه في حياته".
ونظرا لأهمية تشريح الجثث ودراستها، لنفع الأحياء وإفادتهم، فقد جوز أهل العلم تشريح جثة الكافر غير المعصوم وهو الحربي والمرتد، وصدر في ذلك قرار من مجمع الفقه الإسلامي ، ذكرناه في جواب السؤال رقم:(92820).
وأما العظام المأخوذة من جثة مسلم، فيجب دفنها، ولا يجوز إبقاؤها للفحص والدراسة، وينبغي البحث عن بديل لذلك كالعظام الصناعية .
سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : أنا طالب بكلية الطب وأثناء الدراسة نضطر إلى أن نمسك بعض الجثث ونشرحها بأيدينا، وغالباً ما تكون جثث مسلمين ، وأيضاً نضطر إلى أن نحتفظ بعظام الموتى في بيوتنا فهل تشريح هذه الجثث أو لمس هذه العظام يوجب إعادة الوضوء ؟ وما حكم تشريح جثث المسلمين لغرض التعلم الطبي ؟
فأجاب : "الله سبحانه وتعالى شرع لبني آدم الدفن أن تدفن جنائزهم بعد موتهم ، قال الله تعالى : (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ) عبس/21 ، وقال تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا، أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) المرسلات/25، 26 أي : تعيشون على ظهرها ، وتدفنون بعد موتكم في بطنها ، قال تعالى : (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) طه/55؛ فالذي يشرع نحو الميت أن يدفن في قبره ، ولا يُتصرف في جثته وأعضائه .
وأما بالنسبة لتشريح الجثة لقصد التعليم كما ورد في السؤال، وكما يقال إنه أصبح الآن ضرورة لتعلم الطب ونفع الأحياء بذلك، فهذا إن أمكن الاستغناء عنه، فإنه لا يجوز بحال من الأحوال، وإذا لم يمكن وتوقف الأمر عليه، فإن جثة المسلم لا يجوز أن تشرح أبداً لأجل الطب ...
فالمسلم لا يجوز أن يُتلاعب بجثته، ولا أن تُشرح، بل يجب دفنه واحترامه.
أما بالنسبة لجثة الكافر فقد رخص بعض العلماء المعاصرين بتشريح جثته لأجل الطب. والله أعلم" انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان".
ثانيا:
الواجب على من بيده شيء من هذه العظام وغلب على ظنه أنها لمسلم، أن يغسّلها ويصلي عليها، ويدفنها في مكان طاهر.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (39/ 422): " نص الشافعية والحنابلة على أنه إذا وجد بعض الميت: غُسّل وصلي عليه؛ لأن عمر رضي الله عنه صلى على عظام بالشام، وصلى أبو عبيدة رضي الله عنه على رءوس، وصلت الصحابة رضي الله عنهم على يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ألقاها طائر بمكة من وقعة الجمل" انتهى.
ومن سبق أن باع منها شيئا، فإن أمكنه فسخ البيع ليأخذ العظام ويفعل بها ما ذكرنا، وجب عليه ذلك.
وإن لم يمكنه الفسخ وكان المال في يده، فليتصدق به، فإن كان أنفقه، فليستغفر الله، ولا يعود لمثل ذلك.
والله أعلم.