الحمد لله.
أولا:
تحرم الزكاة على آل البيت، وهم بنو عبد المطلب (آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث أبناء عبد المطلب ومواليهم) . انظر "الموسوعة الفقهية" ( 1/100) و"الشرح الممتع" (6/258).
وذلك لما روى مسلم عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس).
قال النووي رحمه الله: " في قوله ( إن الصَّدَقَة لا تَنْبَغِي لآلِ مُحَمَّدٍ ): دَلِيل عَلَى أَنَّهَا مُحَرَّمَة، سَوَاء كَانَتْ بِسَبَبِ الْعَمَل، أَوْ بِسَبَبِ الْفَقْر وَالْمَسْكَنَة وَغَيْرهمَا مِنْ الأَسْبَاب الثَّمَانِيَة , وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا .
وقوله ( إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخ النَّاس): تَنْبِيهٌ عَلَى عِلَّة فِي تَحْرِيمهَا...َأَنَّهَا لِكَرَامَتِهِمْ وَتَنْزِيههمْ عَنْ الأَوْسَاخ .
وَمَعْنَى ( أَوْسَاخ النَّاس ) أَنَّهَا تَطْهِير لأَمْوَالِهِمْ وَنُفُوسهمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)؛ فَهِيَ كَغُسالَةِ الأَوْسَاخ" انتهى.
وهذا الحكم - وهو تحريم الزكاة على آل البيت - يساعد عليه أن لهم مصادر أخرى يمكن دفع المال من خلالها للمحتاج منهم ، ومنها : خمس الغنائم ، وإهداء الناس ، وغير ذلك .
فإن توقفت هذه المصادر عنهم ، واحتاج بعضهم للمال ، فلم نجد إلا مال الزكاة : جاز ، بل وجب دفع الزكاة لهم ، وهم أولى من غيرهم ، لوصية نبينا صلى الله عليه وسلم بهم.
وإلى هذا ذهب بعض السلف، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ووافقه الشيخ محمد الصالح بن عثيمين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "وبنو هاشم إذا مُنعوا من خمس الخمس، جاز لهم الأخذ من الزكاة، وهو قول القاضي يعقوب وغيره من أصحابنا، وقاله أبو يوسف، والإصطخري من الشافعية ؛ لأنه محل حاجة وضرورة" انتهى من" الفتاوى الكبرى"(5/374).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " فإذا مُنعوا، أو لم يوجد خمس، كما هو الشأن في وقتنا هذا : فإنهم يُعطَون من الزكاة، دفعاً لضرورتهم؛ إذا كانوا فقراء وليس عندهم عمل، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصحيح " انتهى من " الشرح الممتع "(6/257).
وينظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/ 68).
فعلى فرض أنه ثبت من أنك من آل البيت، فإنه يجوز لك الأخذ من الزكاة؛ إذا كنت مستحقا، لأنك لا تعطى من الخمس.
ثانيا:
الشرف من جهة الأم لا يمنع أخذ الزكاة والصدقة، فالأحكام تترتب على الشرف من جهة الأب.
قال في الدر المختار: " ومفاده : أن الشرف من الأم فقط غير معتبر، كما في أواخر فتاوى ابن نجيم، وبه أفتى شيخنا الرملي، نعم له مزية في الجملة" انتهى.
قال ابن عابدين في حاشيته عليه (6/ 685):
" (قوله: ومفاده إلخ) : يؤيده قول الهندية عن البدائع: فثبت أن الحسب والنسب يُختص بالأب دون الأم اهـ فلا تحرم عليه الزكاة، ولا يكون كفؤا للهاشمية، ولا يدخل في الوقف على الأشراف.
(قوله: وبه أفتى شيخنا الرملي) ، حيث قال في فتاواه في باب ثبوت النسب ، ما حاصله: لا شبهة في أن له شرفا ما، وكذا لأولاده وأولادهم إلى آخر الدهر، أما أصل النسب فمخصوص بالآباء.
وسئل أيضا [أي الرملي] عن أولاد زينب بنت فاطمة الزهراء زوجة عبد الله بن جعفر الطيار. فأجاب: أنهم أشراف بلا شبهة؛ إذ الشريف كل من كان من أهل البيت علويا أو جعفريا أو عباسيا، لكن لهم شرف الآل الذين تحرم الصدقة عليهم، لا شرف النسبة إليه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن العلماء ذكروا أن من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - أنه ينسب إليه أولاد بناته، فالخصوصية للطبقة العليا، فأولاد فاطمة الأربعة الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب ينسبون إليه - صلى الله عليه وسلم - وأولاد الحسين ينسبون إليهما، فينسبون إليه - صلى الله عليه وسلم - وأولاد زينب وأم كلثوم ينسبون إلى أبيهم، لا إلى أمهم، فلا ينسبون إلى فاطمة ولا إلى أبيها - صلى الله عليه وسلم - لأنهم أولاد بنت بنته، لا أولاد بنته، فيجري فيهم الأمر على قاعدة الشرع الشريف في أن الولد يتبع أباه في النسب لا أمه، وإنما خرج أولاد فاطمة وحدها للخصوصية التي ورد بها الحديث، وهي مقصورة على ذرية الحسن والحسين، لكن مطلق الشرف الذي للآل يشملهم. وأما الشرف الأخص وهو شرف النسبة إليه - صلى الله عليه وسلم - فلا اهـ ملخصا. وأصله للعلامة ابن حجر المكي الشافعي.
أقول: وإنما يكون لهم شرف الآل المحرِّم للصدقة إذا كان أبوهم من الآل كما مر، والمراد بالحديث ما أخرجه أبو نعيم وغيره كل ولد آدم فإن عصبتهم لأبيهم، ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم" انتهى.
والحاصل:
أن لك الأخذ من الزكاة مع الحاجة.
ونسأل الله أن يوسع عليك ويغنيك من فضله.
والله أعلم.