إذا قلت لشخص ما: "يا أخي إنك أغبى خلق الله، والله "، هل هذا يمين غموس؟ أم إنها صيغة مبالغة لا بأس بها؟
الحمد لله.
أولا:
لا شك أن وصف شخص ما بالغباء، من الفحش في القول، وهو من السب له، فضلا عن وصفه بأنه "أغبى خلق الله"، فضلا عن الحلف على ذلك!!
والذي ينبغي للمؤمن أن يعود لسانه الكلام الطيب ، ويتجنب الكلام البذيء الفاحش ، روى الترمذي (1977) عن عبد الله رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود .
روى الترمذي (2009) وصححه ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ ، وَالإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ ، وَالبَذَاءُ مِنَ الجَفَاءِ ، وَالجَفَاءُ فِي النَّارِ وصححه الألباني في "صحيح الترمذي.
والبذاء : الفحش في القول .
فالواجب على قائل ذلك: أن يتوب إلى الله تعالى من ذلك الفحش وسب الناس، وأن يعود لسانه العفاف والحسن من القول، بغض النظر عن يمينه، وما يلزمه فيه.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (198252).
ثانيا:
الذي يظهر أن قائل ذلك الكلام : "والله، انت أغبى خلق الله"، ونحوه: ليس مراده استقصاء خلق الله بالبحث والتفتيش عن أغبيائهم، ثم يخرج من ذلك بمعرفة الأغبى منهم؛ فهذا لا يفعله أحد، ولا يظهر أن قائل ذلك يريده حقيقة.
وإنما مراد قائل ذلك: تحقيق وصف الغباء في الشخص المخاطب، والحلف على "تمكنه" في ذلك الوصف.
وأما قوله : (إنك أغبى خلق الله، والله) ؛ فصيغة التفضيل المذكورة هنا تخرج على أحد وجهين:
الأول: أن يكون مراده (إنك من أغبى خلق الله)، وتكون (من) مرادة في كلامه، وإن لم يذكرها. وعلى هذا الوجه: خرجت كثير من النصوص التي ورد فيها أن خير الأعمال كذا، أو أفضلها كذا . قال النووي، رحمه الله:
" .. يجوز أن يكون المراد : مِن أفضل الأعمال كذا ، أو من خيرها ، أو من خيركم من فعل كذا؛ فحذفت (مِنْ) وهي مرادة، كما يقال فلان أعقلُ الناس، وأفضلهم؛ ويراد: أنه من أعقلهم وأفضلهم. ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خيركم خيركم لأهله ) ؛ ومعلوم أنه لا يصير بذلك خير الناس مطلقا. ومن ذلك قولهم: أزهد الناس في العالم جيرانه، وقد يوجد في غيرهم من هو أزهد منهم فيه. هذا كلام القفال رحمه الله.
وعلى هذا الوجه .. يكون الإيمان أفضلها مطلقا، والباقيات متساوية في كونها من أفضل الأعمال والأحوال، ثم يعرف فضل بعضها على بعض بدلائل تدل عليها، وتختلف باختلاف الأحوال والأشخاص" انتهى. "شرح مسلم" للنووي (2/78).
الوجه الثاني: أن يكون هذا الكلام من باب: " ما يطلق عليه في النحو: "أفعل التفضيل على غير بابه"؛ بأن يقصد منه المبالغة في الصفة، دون التفضيل.
ويفهم ذلك من ظروف الكلام الذي ورد فيه، تقول: "اللهُ أرْحَمُ بعباده" ؛ فالمقصود هو المبالغة في الرحمة دون المفاضلة. وتقول: "الحقُّ أحَقُّ أن يُتَّبَعَ"؛ فالمقصود هو المبالغة في جدارة الحق بالاتباع.
وقد ورد من ذلك قول الفرزدق:
إن الذي سَمَكَ السماءَ بَنَى لنا ... بيتًا دَعَائمُه أعَزُّ وأطْوَلُ ". انتهى، من "النحو المصفى" د. محمد فرج عيد، رحمه الله.
وقد سئل الإمام النووي، رحمه الله:
" رجل قال لغلامه: اعمل الشغل الفلاني؛ فقال: لا أحسنه.
فقال: الطلاق يلزمني؛ إنك تعرف أين يسكن إِبليس.
ثم عمل الغلام ذلك الشغل.
فأجاب:
" إِن قصد بذلك أن الغلام حاذق، فطن، نبيه، لا يخفى عليه غالب الأمور العرفية، لحذقه ونحو ذلك: لم يقع الطلاق." انتهى، من "فتاوى النووي" (196).
فعلى ذلك؛ إن كان هذا الشخص غبيا، حقا، كما يظهر من أقواله أو أفعاله؛ لم يحنث هذا الحالف، ولا نظر إلى صيغة التفضيل التي ذكرها في يمينه.
وقد سبق في الموقع بيان من حلف على شيء، بناء على غلبة ظنه، فبان بخلاف ذلك. ينظر جواب السؤال رقم (210243).
والله أعلم.