أنا زوجة لرجل مدمن مخدرات، ومعي منه بنتان وولد، وحاولنا أنا وأمه علاجه أكتر من ١٠سنوات، ولا يستجيب، ويرجع ثانية للتعاطي، وأمه أنفقت على علاجه أكثر من ٢٠٠ ألف جنيه، ولكنه يعود أسوأ مما كان، وأمه تسأل هل يجوز تقسيم أموالها وحرمانه منها؟ وإذا كان يجوز لها ذلك فهل يمكنها تقسيم أموالها بين أولاد ابنها وبين ابنتها؟
الحمد لله.
أولا:
للإنسان تقسيم تركته على من يتوقع أن يكونوا ورثته، وهذا من باب الهبة، فإن كان ذلك لأولاده، وجب العدل، فيعطي الذكر ضعف الأنثى، ولا يجوز له أن يفضل في الهبة، كما لا يجوز أن يوصي بحرمان وارث بعد موته.
وعليه؛ فلأم زوجك أن تقسم مالها بين ابنها وبنتها، ولها أن تهب من مالها ما شاءت لأحفادها، لكن ليس لها أن تحرم ابنها من الهبة إن وهبت لبنتها.
ثانيا:
إذا كان لابد لها من التقسيم، فإنها تعطي ابنها وتشترط عليه أن يشتري بالمال شقة مثلا يملّكها لأولاده، ونحو ذلك، وهذا جائز في الهبة، أي أن يشترط على الموهوب له استعمال الهبة بطريقة معينة.
جاء في "أسنى المطالب" للشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله (2/479):
" (وَلَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لَك) بِهَا (عِمَامَةً أَوْ اُدْخُلْ بِهَا الْحَمَّامَ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (تَعَيَّنَتْ) لِذَلِكَ مُرَاعَاةً لِغَرَضِ الدَّافِعِ هَذَا (إنْ قَصَدَ سَتْرَ رَأْسِهِ) بِالْعِمَامَةِ (وَتَنْظِيفَهُ) بِدُخُولِهِ الْحَمَّامَ لِمَا رَأَى بِهِ مِنْ كَشْفِ الرَّأْسِ وَشَعَثِ الْبَدَنِ وَوَسَخِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَسُّطِ الْمُعْتَادِ (فَلَا) تَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ بَلْ يَمْلِكُهَا أَوْ يَتَصَرَّفُ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ" انتهى.
فإن خشيت ألا يتلزم بشرطها، فلا تعطه، ولا تقسم المال، ولتترك الأمر لله، فلا يدري أحد من يموت أولا، ولا إثم عليها لو أن وارثها استعمل المال في الحرام، فإن المال يكون حينئذ ماله، له غنمه وعليه غرمه.
والمحذور في هذه المسألة ثلاثة أمور:
الأول: التفضيل في الهبة، ومن باب أولى إعطاء البنت وحرمان الابن؛ لما روى البخاري (2587)، ومسلم (1623) عَنْ عَامِرٍ قَالَ : "سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً ، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ : لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً ، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ لَا . قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ،قَالَ : فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ".
وفي رواية للبخاري أيضا (2650): (لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ).
قال في "كشاف القناع" (3/309): " (ويجب على الأب، و) على (الأم وعلى غيرهما) من سائر الأقارب (التعديل بين من يرث بقرابة ، من ولد وغيره) ، كأب وأم وأخ وابنه وعم وابنه (في عطيتهم) ...
و(لا) يجب التعديل بينهم (في شيء تافه)، لأنه يُتسامح به؛ فلا يحصل التأثر ... (إلا في نفقة وكسوة، فتجب الكفاية) دون التعديل" انتهى.
الثاني: الوصية بالحرمان من الإرث؛ لأنها وصية بإثم.
الثالث: هبة المال بنية حرمان الابن، ويسمى التوليج في التركة، وهو محرم.
قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله: " لَيْسَ من أَخْلَاق الْمُؤمنِينَ الْفِرَار من أَحْكَام الله بالحيل الموصلة إِلَى إبطَال الْحق" نقله العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (24/ 109).
والله أعلم.