الحمد لله.
يجوز للرجل أن يشرك أهله في ثواب الهدي، كما يشركهم في ثواب الأضحية؛ لما روى البخاري (2505) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالاَ: " قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الحِجَّةِ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ، لاَ يَخْلِطُهُمْ شَيْءٌ، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا، فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً ... قَالَ: وَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَقُولُ لَبَّيْكَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: وَقَالَ الآخَرُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَأَشْرَكَهُ فِي الهَدْيِ".
وقد ذكر أهل العلم أن إشراكه لعلي في الهدي يحتمل أنه أشركه في الثواب.
قال ابن بطال في "شرح البخاري" (7/24): "فهذا تفسير قوله: (وأشركه في الهدى) ، أنه الهدي الذى أهداه علي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل له ثوابه، فيحتمل أن يفرده عَلَيْهِ السَّلام بثواب ذلك الهدى كله، فهو شريك له في هديه؛ لأنه أهداه عنه متطوعًا من ماله.
ويحتمل أن يشركه في ثواب هدى واحد يكون بينهما، كما ضحى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وعن أهل بيته بكبش، وعمن لم يُضَحِّ من أمته بكبش، وأشركهم في ثوابه" انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (5/138): " وفيه بيان أن الشركة وقعت بعد ما ساق النبي صلى الله عليه وسلم الهدي من المدينة، وهي ثلاث وستون بدنة، وجاء علي من اليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سبع وثلاثون بدنة، فصار جميع ما ساقه النبي صلى الله عليه وسلم من الهدي مائة بدنة، وأشرك عليا معه فيها.
وهذا الاشتراك محمول على أنه صلى الله عليه وسلم جعل عليا شريكاً له في ثواب الهدي، لا أنه ملّكه له بعد أن جعله هديا، ويحتمل أن يكون علي لما أحضر الذي أحضره معه، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم، ملّكه نصفه مثلا فصار شريكا فيه، وساق الجميع هديا، فصارا شريكين فيه، لا في الذي ساقه النبي صلى الله عليه وسلم أولا" انتهى.
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (3/11): " وأما حديث أنه صلى الله عليه وسلم ساق في حجته مائة بدنة وقدم علي من اليمن فأشركه في بُدْنه رواه مسلم، فيحتمل أنه أشرك عليا فيها قبل إيجابها، ويحتمل أنه أشركه فيها، بمعنى أن عليا جاء ببُدن، فاشتركا في الجميع، فكان بمعنى الإبدال لا بمعنى البيع، ويجوز أن يكون أشركه في ثوابها وأجرها، قاله في الشرح" انتهى.
والحاصل:
أنه لا حرج في أن يشرك الإنسان أهله في ثواب الهدي.
والله أعلم.