لو قال: تقطع يدي أو عليه غضب الله إن فعل كذا هل يكون يمينا؟

27-10-2022

السؤال 380912

في بعض الأحيان أقول:" إن شاء الله تقطع يدي إن حدث هذا الأمر، أو أقول: أقطع أيدي إذا فعل فلان هذا الأمر"، أو غير ذلك، في أغلب الأحيان قائلها لا يقصد عزمه على فعل هذا الأمر، ولكن من باب استحالة حدوث الشيء، فهل يمكن أن نربط هذه المقولة بقوله تعالى : (وَإِذ قالُوا اللَّهُمَّ إِن كانَ هذا هُوَ الحَقَّ مِن عِندِكَ فَأَمطِر عَلَينا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائتِنا بِعَذابٍ أَليمٍ) الأنفال/٣٢، على إنه لا يمكن قول ذلك؟

ملخص الجواب:

من دعا على نفسه بما ذُكِر في السؤال من قول: (تقطع يدي أو عليه غضب الله إن فعل كذا)  فلا يعد يمينا ولا يلزمه إلا الاستغفار من ارتكاب ما نهي عنه. وينظر تفصيل ذلك وبيانه في الجواب المطول فلينظر للأهمية

الجواب

الحمد لله.

أولا :

حكم الدعاء على النفس

لا يجوز الدعاء على النفس، سواء كان منجزا أو معلقا على شرط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءً، فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ رواه مسلم (3009).

ثانياً:

الدعاء على النفس بقصد القسم هل يعد يميناً؟

جاء في عنوان سؤالك : "الدعاء على النفس بقصد القسم".

وهذه الألفاظ الواردة في السؤال يقولها بعض الناس لقصد توكيد الكلام، ولا تعد قسما، ولا يترتب عليها ما يترتب على القسم.

وقد ذكر العلماء أن الأيمان التي يحلف بها المسلمون ويترتب عليها حكمٌ هي ستة أنواع، لا سابع لها، وليس منها ما ذكرت.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"فَالْأَيْمَانُ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ مِمَّا قَدْ يَلْزَمُ بِهَا حُكْمٌ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ لَيْسَ لَهَا سَابِعٌ:

أَحَدُهَا: الْيَمِينُ بِاَللَّهِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا فِيهِ الْتِزَامُ كُفْرٍ عَلَى تَقْدِيرِ الْخَبَرِ، كَقَوْلِهِ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا. عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.

الثَّانِي: الْيَمِينُ بِالنَّذْرِ الَّذِي يُسَمَّى "نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ"، كَقَوْلِهِ : عَلِيَّ الْحَجُّ لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ، أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ إنْ فَعَلْت كَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ.

الثَّالِثُ: الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ.

الرَّابِعُ: الْيَمِينُ بِالْعِتَاقِ.

الْخَامِسُ: الْيَمِينُ بِالْحَرَامِ، كَقَوْلِهِ: عَلِيَّ الْحَرَامُ لَا أَفْعَلُ كَذَا.

السَّادِسُ: الظِّهَارُ؛ كَقَوْلِهِ: أَنْتَ عَلِيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ فَعَلْت كَذَا .

فَهَذَا مَجْمُوعُ مَا يَحْلِفُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ مِمَّا فِيهِ حُكْمٌ" انتهى من "مجموع الفتاوى" (35/242).

وأما الآية الكريمة التي ذكرتها وهي قوله تعالى عن مشركي قريش:  وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  الأنفال/32؛ فهذا دعاء وليس قسما، ولم نقف على قولٍ لأحد من المفسرين الذين رجعنا إلى أقوالهم ذكر أن هذا قسم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" إجابة دعاء الإنسان وإعطاء سؤاله، قد يكون منفعة وقد يكون مضرة، قال تعالى : (وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً) الإسراء/11، وقال تعالى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) يونس/11، وقال تعالى عن المشركين: (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) الأنفال/32" انتهى من "مجموع الفتاوى"(14/34).

فذكر رحمه الله أن هذا الكلام كان دعاء، ولم يذكر أنه كان قسما.

 وقد نص الفقهاء على أنه إذا دعا على نفسه بشيء، فإنه لا يكون له حكم اليمين، ولو حنث في ذلك.

قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني، رحمه الله: " لَو حلف رجل فَقَالَ : عَلَيْهِ لعنة الله ، أَو قَالَ : غضب الله ، أَو قَالَ : أَمَانَة الله ، أَو دَعَا على نَفسه بِغَيْر ذَلِك : فَلَيْسَ فِي شي من هَذَا يَمِين ، وَلَا كَفَّارَة إِذا حنث . وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْله هُوَ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ .

وَإِذا قَالَ الرجل: عذبه الله، أَو أدخلهُ النَّار، أَو حرمه الله الْجنَّة: فَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْهَا كَفَّارَة، وَلَا يَمِين ؛ إِنَّمَا هَذَا دُعَاء على نَفسه". انتهى من "الأصل"(3/180).

وقال الكاساني رحمه الله:" ولو قال : هو يأكل الميتة، أو يستحل الدم أو لحم الخنزير، أو يترك الصلاة والزكاة، إن فعل كذا: فليس شيء من ذلك يمينا ؛ لأنه ليس بإيجاب، بل هو إخبار عن فعل المعصية في المستقبل.

بخلاف قوله: هو يهودي أو نحوه؛ لأن ذلك إيجاب في الحال.

وكذلك لو دعا على نفسه بالموت أو عذاب النار ، بأن قال : عليه عذاب الله إن فعل كذا ، أو قال : أماته الله إن فعل كذا ؛ لأن هذا ليس بإيجاب ، بل دعاء على نفسه". انتهى، من "بدائع الصنائع" (3/8)، وينظر: "فتح القدير"(10/434).

وفي "شرح الزرقاني على مختصر خليل" (3/92): " أو دعا على نفسه بـ: عليه غضب الله إن فعل كذا، ثم فعله؛ فليس بيمين، ولا يرتد، ولو كان كاذبًا فيما علق عليه؛ لقصده به إنشاء اليمين .." انتهى.

وقال التتائي في "شرح مختصر خليل" (3/448): " وقال: هو يهودي، أو نصراني أو مجوسي أو مرتد أو على غير ملة الإسلام إن فعل كذا، ثم فعله، أو إن كنت فعلت كذا، أو قد كان فعله، أو هو سارق أو زان أو يأكل الميتة، أو عليه غضب اللَّه، أو دعا على نفسه، فلا كفارة عليه، وليستغفر اللَّه، وقيل: لا بد معه من التشهد" انتهى.

والحاصل:  

أن من دعا على نفسه بما ذكرت فلا يعد يمينا ولا يلزمه إلا الاستغفار من ارتكاب ما نهي عنه.

والله أعلم .

الأيمان والنذور
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب