لدى ٥ أولاد، اثنان قاموا بشراء مكروباص للعمل عليه، وقاما بأخذ قرض بضمان جزء من المعاش فيخصم منى شهريا، أما باقي الأبناء لا يأخذون شيئا، فهل هذا حلال أم حرام؟ وهل يجب على إعطاء البقية؟
الحمد لله.
أولا :
يجب على الوالدين أن يعدلوا بين أولادهم في العطية، والدليل على ذلك ما رواه البخاري (2586)، ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه: "أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا، فَقَالَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ: فَارْجِعْهُ .
ومعنى : نحلت ابني غلاما أي : أعطيته غلاما، وفي لفظ للبخاري (2587) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فَاتَّقُوا اللَّهَ ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، قَالَ : "فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ" وفي رواية للبخاري أيضا (2650) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ .
قال ابن قدامة رحمه الله : "يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ فِي الْعَطِيَّةِ ، إِذَا لَمْ يَخْتَصَّ أَحَدُهُمْ بِمَعْنًى يُبِيحُ التَّفْضِيلَ ، فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِعَطِيَّتِهِ، أَوْ فَاضَلَ بَيْنَهُمْ فِيهَا أَثِمَ ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ ؛ إمَّا رَدُّ مَا فَضَّلَ بِهِ الْبَعْضَ ، وَإِمَّا إتْمَامُ نَصِيبِ الْآخَرِ" انتهى من "المغني"(8/256) .
وينظر السؤال رقم: (22169) .
ثانيا :
قد يوجد في بعض الأولاد سبب يقتضي إعطاءه أكثر من إخوانه ، أو إعطاءه دونهم ، كما لو كان فقيرا ، أو عاجزا عن العمل ، أو مدينا ولا يستطيع سداد الدين .
قال ابن قدامة رحمه الله :
"فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ لِمَعْنًى يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ ، مِثْلَ اخْتِصَاصِهِ بِحَاجَةٍ ، أَوْ زَمَانَةٍ ، أَوْ عَمَى ، أَوْ كَثْرَةِ عَائِلَةٍ ، أَوْ اشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْفَضَائِلِ ، أَوْ صَرَفَ عَطِيَّتَهُ عَنْ بَعْضِ وَلَدِهِ لِفِسْقِهِ ، أَوْ بِدْعَتِهِ ، أَوْ لِكَوْنِهِ يَسْتَعِينُ بِمَا يَأْخُذُهُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، أَوْ يُنْفِقُهُ فِيهَا ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ ؛ لِقَوْلِهِ فِي تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ بِالْوَقْفِ : لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ لَحَاجَةٍ ، وَأَكْرَهُهُ إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْأَثَرَةِ . وَالْعَطِيَّةُ فِي مَعْنَاهُ .
وَيَحْتَمِلُ ظَاهِرُ لَفْظِهِ: الْمَنْعَ مِنْ التَّفْضِيلِ أَوْ التَّخْصِيصِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِكَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْ بَشِيرًا فِي عَطِيَّتِهِ .
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ" انتهى من "المغني" (8/258) .
وقال المرداوي في "الإنصاف" (17/64) بعد أن ذكر قول الإمام أحمد الدال على جواز ذلك إذا كان لحاجة ، قال : "وهذا قوي جدا" انتهى .
وعلى هذا ، فإذا كان هذان الابنان محتاجين ، ودخلهما لا يكفي لسداد القرض فلا حرج أن تسددي عنهما ، ولا يلزمك في هذه الحالة إعطاء من ليس محتاجا من الأبناء .
فإن كان باقي الأبناء محتاجين، أو بعضهم محتاجا : وجب التسوية بين جميع المحتاجين في هذه العطية.
وإذا كانا غيرَ محتاجين فيجب عليك التسوية بين جميع الأبناء ، إما بإعطاء الجميع ، وإما بمنع الجميع .
وإذا كانا يفضل معهما ، بعد نفقتهما المعتادة ، ما يكفي لسداد بعض الأقساط ؛ فإنها يسددان ما يقدران عليه ، وتكملين لهما الباقي.
واعلمي أن القرض إذا كان ربويا، وهذا هو الظاهر من صورة السؤال: فقد أخطآ بذلك خطأ بالغا، ووقعا في كبيرة من الكبائر، وأخطأت أنت أيضا بضمانهما في هذا القرض الربوي المحرم، وإعانتهما عليه . والواجب عليكم، أنت وولداك : أن تتوبوا من هذه المعصية الكبيرة، فضلا عما ذكرنا من التفضيل، إن لم يكن على وجه مشروع .
والله أعلم .