ما حكم الدعاء علي الظالمين بأن يحييهم أو يأخذهم الغداة أو الليلة بالتحديد، وذلك كل يوم؟
الحمد لله.
أولا :
يجوز للمظلوم أن يدعو على الظالم ، لقول الله تعالى : لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً النساء/148.
قال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص212) :
"يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول، أي: يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن، كالشتم والقذف والسب ونحو ذلك ، فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله.
ويدل مفهومها: أنه يحب الحسن من القول كالذكر والكلام الطيب اللين.
وقوله: إِلا مَن ظُلِمَ أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويشتكي منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه" انتهى.
غير أنه لا يجوز الدعاء على كل ظالم بأن يهلكه الله تعالى، فليس كل الظالمين يستحق الإهلاك ، وإنما يدعى بذلك على من كانت جريمته وظلمه عظيما يستحق الإهلاك بسببه ، كمحاربة الإسلام أو قتل المسلمين أو الاعتداء على الأعراض والأموال ولم ينته مهما هُدِّد أو عوقب ... ونحو ذلك.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
"لا حرج في الدعاء على من ظلم بقدر ظلمه، قال الله تعالى: (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) [النساء:148]، فمن ظلم استحق أن يدعى عليه، وإذا سمحت وعفوت فلك أجر عظيم، وإذا دعوت على من ظلمك بقدر ظلمه وأن الله يجازيه عن ظلمه بما يستحق فلا حرج، وإذا تركت وعفوت فالأجر أكبر، ولك أجر عظيم إذا عفوت وصبرت" انتهى من موقع الشيخ ابن باز .
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (71152) .
ثانيا :
لا بأس بتقييد الداعي دعاءه بإهلاك الله تعالى الظالمين أن يهلكهم الله الغداةَ ، أو الليلة، ونحو ذلك، وقد ورد تقييد الدعاء بنحو هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا في الاستسقاء، فقال : اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا ، مَرِيئًا ، مَرِيعًا ، نَافِعًا ، غَيْرَ ضَارٍّ ، عَاجِلًا ، غَيْرَ آجِلٍ رواه أبو داود (1169) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وذكر ابن إسحاق معلقا –أي : بدون إسناد – أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى قريشا دعا عليهم قائلا : اللَّهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا، تَحَادُّكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهُمَّ فَنَصْرَكَ الَّذِي وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ أَحِنْهُمُ الْغَدَاةَ "البداية والنهاية" (5/83).
غير أن الذي يظهر أن تقييد ذلك إنما يشرع إذا كان لتقييد إهلاكهم بهذا الوقت معنى خاص يدعو إليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما دعا على قريش بأن يكسرهم الله ويهزمهم ، وقيد ذلك بالغداة؛ لأن هذا كان وقت المعركة، فدعا أن يعجل الله هزيمتهم وانكسارهم، لما فيه من نصر المؤمنين، وعزهم؛ وإلا، فإنهم إن لم ينكسروا الغداة، أوشكوا أن يكسروا المسلمين ويهزموهم، فالأمر في المعركة دائر بين هذين: إما أن ينكسروا هذه الغداة، أو ينهزموا.
وعلى ذلك، فيقال:
إن كان هناك معنى معقول ظاهر، لتقييد الدعوة بـ(الآنَ) أو (الليلةَ)، أو نحو ذلك، كأن يخاف أن يسطو عليه الظالم في هذا الوقت، أو يكون معرضا للقائه، ويخاف منه، أو نحو ذلك؛ فلا بأس به، وتقييد الدعاء على الظالم بهذا الوقت: افتقار إلى الله، وتوصل إليه بالسبب الشرعي أن يدفع ظلم الظالم عنه.
ومثل ذلك أيضا يقال في الدعاء بالغيث، عاجلا غير آجل؛ فإن الاستسقاء: إنما يكون لطلب نزول المطر من حينه، لحاجة الناس وفاقتهم إليه، وطلبه عاجلا: إنما هو لمعنى معقول يقتضيه.
وينظر جواب السؤال رقم: (130713) .
وأما أن يكون هذا دعاء المسلم على الظالمين في كل يوم، فليس هذا من دأب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا دعائه، ولا عادته الدائمة. وإنما غاية الدعاء على الظلم: أن يكون مطلقا، غير مقيد بوقت؛ ثم الأمر في ذلك إلى رب العالمين.
فعن جابرٍ رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الَّلهُمّ أَصْلِحْ لِيْ سَمْعِي وَبَصَرِيْ ، وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَيْنِ مِنّي ، وَانصُرنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي ، وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي رواه البخاري في الأدب المفرد (1/226) ، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قلّما كان يقوم من مجلسٍ حتّى يدْعو بهؤلاء الدّعوات لأصحابه : الّلهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ . . . واجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَىْ مَنْ ظَلَمَنَا وَانصُرْنَا عَلَىْ مَنْ عَادَانَا . . رواه الترمذي (3502)، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي".
بل روى البخاري في صحيحه (4069) : عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ :" أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الفَجْرِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ العَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا بَعْدَ مَا يَقُولُ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ)آل عمران/128- إِلَى قَوْلِهِ - (فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)آل عمران/128.
وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَدْعُو عَلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَالحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَزَلَتْ (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ)آل عمران/128- إِلَى [ص:100] قَوْلِهِ - (فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)آل عمران/128.
وفي ذلك تنبيه إلى أنه لا ينبغي أن يكون الانشغال الدائم ما يفعل الظالم، وما يفعل به، ولا أن يكون المسلم هجِّيراه الدعاء بمثل ذلك، بل يفعل ما أمره الله به، ثم يترك تقدير المقادير إلى رب العالمين.
وفي رواية الإمام أحمد في مسنده (5674) لحديث ابن عمر السابق: زيادة في آخره. قال: فَتِيبَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ !!
والله أعلم .