هل اعتبر عاقاً لوالداي إن قلت لهم اعدلوا؟ وهل يجوز ذلك؟ حيث يتصرفون مع أولاد أختي بتصرف، ومع أولادي بتصرف آخر، حيث يقسون على أولادي نوعا ما، وكذلك في العطية، وإذا ما بدر من أولادي الأطفال شيء فيعاملونهم كالبالغ، ويضربونهم، أما مع الأحفاد الآخرين فإنهم يتساهلون معهم، ومع ذلك كله لا أتفوه بكلمة تجاههم، كقولي لهم مثلا لماذا لا تعدلون، وما هو الرد المناسب على ذلك من غير أن أقع في مخالفة شرعية، حيث صار الأمر مزعجا للغاية، ونادرا لا أتكلم معهم لهذا السبب؟
الحمد لله.
أولا:
يجب العدل بين الأحفاد في العطية.
قال البهوتي في "كشاف القناع" (4/309): " (ويجب على الأب، و) على (الأم وعلى غيرهما) من سائر الأقارب (التعديل بين من يرث بقرابة ، من ولد وغيره) كأب وأم ، وأخ وابنه ، وعم وابنه ، (في عطيتهم) ؛ لحديث جابر قال : قالت امرأة بشير لبشير : أعط ابني غلاما وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي قال: له إخوة؟ قال: نعم . قال: كلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟ قال: لا . قال: فليس يصلح هذا ، وإني لا أشهد إلا على حق رواه أحمد ومسلم وأبو داود ، ورواه أحمد من حديث النعمان بن بشير وقال فيه : لا تشهدني على جور ، إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم.
وفي لفظ لمسلم : اتقوا الله ، واعدلوا في أولادكم ، فرجع أبي في تلك الصدقة وللبخاري مثله ، لكن ذكره بلفظ العطية ، فأمر بالعدل بينهم ، وسمى تخصيص أحدهم دون الباقين جورا ، والجور حرام ، فدل على أن أمره بالعدل للوجوب .
وقيس على الأولاد باقي الأقارب بجامع القرابة ، وخرج منه الزوجات والموالي فلا يجب التعديل بينهم في الهبة، و (لا) يجب التعديل بينهم (في شيء تافه) لأنه يتسامح به فلا يحصل التأثر، والتعديل الواجب أن يعطيهم (بقدر إرثهم منه) اقتداء بقسمة الله تعالى ، وقياسا لحالة الحياة على حال الموت . قال عطاء: " فما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى "" انتهى.
وقال النووي رحمه الله :"وَإِذَا وَهَبَتْ الْأُمُّ لِأَوْلَادِهَا ; فَهِيَ كَالْأَبِ فِي الْعَدْلِ بَيْنَهُمْ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَلِكَ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ َ" انتهى من "روضة الطالبين"(5/379) .
ثانيا:
أما المعاملة فينبغي للجد والجدة الرفق بالأحفاد، وتربيتهم على الفضائل، ومنعهم من الرذائل، وعدم إظهار الميل إلى أحد منهم دون الآخر، لأن هذا يورث الضغينة والحسد بينهم.
وعليك أن تتلطف في إيصال هذه المعاني لوالديك، وألا تصرح بدعوتهما للعدل، بل تشير إلى أن الأولاد يزداد حبهم وبرهم للأجداد بالعطية، ونحو ذلك.
على أنا نشير إلى بعض العوامل التي قد تؤدي إلى ما ذكرت: ككونك تعيش مع والدك، خلافا لأختك، فهذا قد يؤدي إلى ملاطفة والديك لأولاد أختك لقلة الملاقاة واعتبارهم كالضيوف، بخلاف من تكثر مخالطتهم، ويكثر الخطأ منهم بطبيعة الحال.
والذي ننصحك به أن تدعو أولادك لمزيد من البر والرعاية لوالديك، والصبر على ما يصدر منهما، وأن تكافئ أولادك على ذلك، وأن تعوضهم لو شعروا بتفضيل الجد في العطية لأولاد عمتهم، واحتسب في ذلك الأجر عند الله؛ فإن بر الوالدين من أعظم الطاعات والقربات.
والله أعلم.