تشاجرت مع زوجتي، وقلت لها: "إذا مش عاجبك رني على أهلك خلهم يأخذونك" فهل تعتبر هذه العباره كناية طلاق؟
الحمد لله.
أولا :
يقسم العلماء رحمه الله ألفاظ الطلاق إلى نوعين :
الأول : ألفاظ صريحة في الطلاق، وهي الألفاظ التي تدل على الطلاق ولا تحتمل غيره من المعاني، كلفظ الطلاق وما تصرف منه.
النوع الثاني: ألفاظ تدل على الطلاق عن طريق الكناية، وهي الألفاظ التي تحتمل الطلاق وغيره .
قال البهوتي رحمه الله :
"( الصَّرِيحُ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ ، أَيْ : بِحَسْبِ الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ [أي : بحسب استعمال الناس للفظ وفهمهم لمعناه] ... فَلَفْظُ الطَّلَاقِ صَرِيحٌ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فِي الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ ... وَالْكِنَايَةُ مَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ ، وَيَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الصَّرِيحِ.
وَصَرِيحُهُ : لَفْظُ الطَّلَاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ عَلَى الْخُصُوصِ، ثَبَتَ لَهُ عُرْفُ الشَّارِعِ وَالِاسْتِعْمَالِ. فَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَلَاقٌ، أَوْ الطَّلَاقُ ، أَوْ طَلَّقْتُكِ ، أَوْ مُطَلَّقَةً : فَهُوَ صَرِيحٌ ... وَإِذَا أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَقَعَ؛ نَوَاهُ، أَوْ لَمْ يَنْوِهِ ...
ثم مثل للكناية بما لو قال الزوج لزوجته: "اُخْرُجِي، وَاذْهَبِي، وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ ...
وَالْكِنَايَةُ لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيهِ ، لِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَمَّا قَصُرَتْ رُتْبَتُهَا عَنْ الصَّرِيحِ ، وُقِفَ عَمَلُهَا عَلَى نِيَّةِ الطَّلَاقِ تَقْوِيَةً لَهَا . وَلِأَنَّهَا لَفْظٌ يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَعْنَى الطَّلَاقِ ، فَلَا يَتَعَيَّنُ لَهُ بِدُونِ النِّيَّةِ" انتهى من "كشاف القناع" (5/287) .
ثانيا :
قول الرجل لزوجته : "رني على أهلك خلهم ياخذونك" يشبه ما ذكره العلماء من : الحقي بأهلك ، أو : اخرجي أو : اذهبي ؛ فيكون من كنايات الطلاق ، فلا يقع به الطلاق إلا أنه ينويه الزوج ، كما سبق في كلام البهوتي رحمه الله المنقول آنفا .
وقال المرداوي رحمه الله : "الصحيح من المذهب ، ونص عليه الإمام أحمد رحمه الله : أن من شرط وقوع الطلاق بالكنايات : أن ينوي بها الطلاق" انتهى من "الإنصاف" (22/250).
وقال الشيرازي في "المهذب" (3/10):
"وأما الكناية : فهي كثيرة ، وهي الألفاظ التي تشبه الطلاق ، وتدل على الفراق . وذلك مثل قوله: ... اغربي ، واذهبي ، والحقي بأهلك ، وحبلك على غاربك ... وما أشبه ذلك .
فإن خاطبها بشيء من ذلك ، ونوى به الطلاق : وقع ، وإن لم ينو : لم يقع ، لأنه يحتمل الطلاق وغيره" انتهى .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
"الصحيح : أن الكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية ؛ لأن الإنسان قد يقول: اخرجي ، أو ما أشبه ذلك غضباً، وليس في نيته الطلاق إطلاقاً، فقط يريد أن تنصرف عن وجهه حتى ينطفئ غضبهما" انتهى من "الشرح الممتع"(13/76) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (27/8):
"وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكِنَايَةِ وَبَيْنَ الصَّرِيحِ : أَنَّ الصَّرِيحَ يُدْرَكُ الْمُرَادُ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهِ ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ ، بِخِلاَفِ الْكِنَايَةِ ؛ فَإِنَّ السَّامِعَ يَتَرَدَّدُ فِيهَا ؛ فَيَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ" انتهى .
فإذا كنت نويت الطلاق بهذا اللفظ الذي قلته : فقد وقع الطلاق ، إذا وقع الشرط الذي علقت عليه الطلاق ، وهو اتصالها بأهلها ، وإن لم تكن نويت الطلاق فلا يقع به شيء .
ثالثا :
إذا علق الرجل طلاق امرأته على حصول شرط ، كما لو قال لها : إن فعلت كذا فأنت طالق ، وكما في السؤال : إذا مش عاجبك اتصلي بأهلي يأخذوك .
فإذا لم يحصل الشرط : فلا يقع الطلاق بذلك .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "والطلاق المعلق على شيء لا يقع حتى يوجد ذلك الشي" انتهى من "الشرح الممتع" (12/488) .
وإذا حصل الشرط فإنه ينظر إلى نية الزوج فإن نوى الطلاق وقع الطلاق ، وإن لم ينو الطلاق لم يقع وعليه كفارة يمين .
وينظر السؤال رقم: (82400) .
والخلاصة :
لا يقع الطلاق في مسألتك إلا بشرطين :
الأول : أن تكون نويت الطلاق .
الشرط الثاني : أن يقع الشرط الذي علقت عليه وقوع الطلاق، وهو اتصالها بأهلها ليأخذوها .
فإذا لم تنو الطلاق فلا يقع الطلاق ، اتصلت أم لم تتصل .
وكذلك لا يقع الطلاق إذا نويت الطلاق ولم تتصل زوجتك بأهلها .
والله أعلم .